[حكم وقوع الطلاق المعلق]
الطلاق المعلق عند جمهور العلماء يقع متى وقع الشرط، وهناك خلاف، فذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنه إذا لم ينوِ الطلاق، وإنما نوى التهديد، اعتبر يميناً، وكفاه أن يكفر كفارة يمين، وهذا هو الواقع كثيراً من الناس، فأكثر من يعلق الطلاق لا يقصد الطلاق، وإنما يقصد الحض أو المنع، يريد بذلك تهديدها، فإذا طلبها من أهلها وقال: اركبي معي، اذهبي إلى البيت، فتثاقلت فقال: إن لم تذهبي معي فأنت طالق، يقول: ما أردت طلاقها، ولكن أردت تخويفها حتى تخاف من الطلاق وتركب معي، ولكنها تمادت وعصت ولم تركب معه، هل يقع طلاقاً؟ يفتي شيخ الإسلام بأنه لا يقع الطلاق وإنما يكفر بإطعام عشرة مساكين كفارة يمين؛ فهو رحمه الله لاحظ المراد من هذا اللفظ.
كذلك إذا طلب أن يزور أهله وقال: تعالي معي إلى أهلي، فتثاقلت، فقال: إن لم تركبي معي إلى أهلي فأنت طالق، يريد بذلك تخويفها حتى تطيعه، ولا تتخلف، ولكنها امتنعت، فهل يقع الطلاق؟ يقول شيخ الإسلام: عليه كفارة يمين، وهذا يقع من كثير من الأزواج، فيعتبره شيخ الإسلام يميناً، ويعتبره غيره طلاقاً معلقاً.
إذا قال مثلاً: إن خرجت من البيت فأنت طالق، فقال: ما أريد طلاقها، ولكني أريد ألا تخرج من البيت أو قال مثلاً: إن ركبتِ مع فلان، أو إن كلمتِ فلاناً ولو هاتفياً فأنت طالق، ثم قال: ما أريد فراقها، ولكني أريد تهديدها حتى لا يقع منها هذا العصيان، فهذا يعتبره شيخ الإسلام يميناً، فيها كفارة اليمين، ولو لم يكن حلفاً صريحاً، ولكن كأنه حلف، كأنه يقول: والله لتذهبن معي، أو لأمنعنك أن تركبي مع فلان، أو أن تكلمي أجنبياً، أو ما أشبه ذلك، فيكون هذا حلفاً.
ولما أفتى شيخ الإسلام بهذا وافقه كثيرون، حتى الخصوم الذين خالفوه في كثير من المسائل الفرعية والأصولية وافقوه على هذه الفكرة، وله رسالة في تعليق الطلاق بالشروط، وكون ذلك يميناً، طبعت في المجلد الرابع والثلاثين، وقد أفردت وطبعت في نسخة مستقلة، وعلق عليها، وجعل لها مقدمة، وهذا يريح كثيراً من الذين يعلقون الطلاق بشرط مستقبل، ولا يكون قصدهم إيقاع الطلاق.
وأما الشيء الذي ليس باختيارها فإنه على الصحيح يقع به الطلاق، وقد مثلنا له في أول الكلام، كما لو قال: إن ولدتِ أنثى فأنت طالق، فهنا تطلق؛ وذلك لأن الذكور والإناث ليس باختيارها، وكذلك إذا قال: أنتِ طالق إذا دخل شهر ربيع الثاني، وهاهنا تطلق ولا يقال: إنه تهديد، ولا إنه حض، ولا إنه منع، وكذلك لو قال: أنتِ طالق إذا قدم زيد من سفره، فقدومه ليس باختيارها، فهذا لا يصلح تهديداً ولا وعيداً، وليس فيه حض ولا منع، فكل شيء ليس في إمكانها أن تفعله فإنه يقع، ويكون طلاقاً معلقاً بشرط، وأما الأشياء التي يكلمها به وفي إمكانها أن تفعل أو تترك فيعتبرونها يميناً، ويفتي بذلك شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله، وغيره من زملائه، فإذا جاءهم من يقول: إني قلت لامرأتي: إن خرجت إلى السوق فأنت طالق، ثم ندمت فماذا أفعل؟ يقولون: هل أنت تريد الطلاق أو لا تريده وإنما تريد منعها؟ فإذا قال: أنا أريد امرأتي، ولا أرغب طلاقها، ولكني أردت أن تمتنع عن هذا الخروج، فيقولون: إذاً عليك الكفارة.
أما إذا قال: إني عازم على الطلاق، وأريد أن يكون آخر عهدي بها خروجها أو مكالمتها، ولا أريدها بعد ذلك، أنا أريد طلاقها، ولكن يتوقف طلاقها على هذا الفعل، فهنا تقع الطلقة أو الطلقات.
بعد ذلك أتى المصنف بأمثلة: إن كلمتك فأنت طالق فتنحي أو تحققي أو نحو ذلك؛ فإنها تطلق؛ وذلك لأنه كلمها، أليس قوله: (فتحققي أو تنحي) كلام؟ نعم، فتطلق؛ وذلك لأنه علق الطلاق بكلامه، ومع ذلك أوقع الكلام، فتطلق، هذا على قول الجمهور في أن التعليق يقع به طلاق، وأما على قول شيخ الإسلام فإنه لا يقع، ويكون يميناً إذا لم يقصد الطلاق، وإنما قصد منع نفسه أن يكلمها في هذه الحال كلاماً مطلقاً.
قوله: (إن بدأتك بالكلام فأنت طالق) يعني: إذا ابتدأتك بعد هذه الجملة، لكنها قالت له: (إن بدأتك به فعبدي حر.
انحلت يمينه) ؛ وذلك لأنه ما بدأها، بل هي التي بدأته بقولها: إن بدأتك به فعبدي حر، فلا تطلق، حيث إنها هي التي بدأته، وأما هي فتبقى يمينها، فإذا كلمته بعد ذلك عتق عبدها؛ لأنها بدأته بعد هذا الكلام.
قوله: (إن خرجت بغير إذني -أو نحو ذلك- فأنت طالق) يعني: إن خرجتِ إلى السوق، أو إلى الأندية، أو إلى الاستراحات، أو أماكن اللهو بغير إذني فأنت طالق، ثم أذن لها فخرجت، فهذه المرة ما تطلق، لكن خرجت بعد ذلك بغير إذنه، أو أذن لها ولم تعلم بإذنه لها وخرجت، في هذه الحال تطلق، المرة الأولى أذن، والمرة الثانية ما أذن، أو أذن ولم تعلم.
أما إذا أبطل كلامه وقال: قد أبطلت كلامي، قد أذنت لك متى شئتِ؛ فإنها لا تطلق.