[حكم ظهار المرأة من زوجها]
الظهار في الأصل يكون من الرجل، ولكن هل يكون من المرأة إذا قالته؟ في ذلك خلاف، يقول المؤلف هاهنا: وإن قالته لزوجها فليس بظهار، ومع ذلك عليها كفارته إذا وطئها مطاوعة.
لذكر عن امرأة من أولاد الصحابة اسمها عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، قيل لها: إن مصعب بن الزبير يريد أن يتزوجك.
فقالت: هو علي كظهر أبي.
ثم قدر بعد ذلك أن تزوجها، ولما تزوجها وكانت قد ظاهرت أعتقت عبداً، كفارة لتلك الكلمة، وكأنها سألت من أفتاها بأن هذا وإن لم يكن ظهاراً فإن فيه كفارة الظهار؛ وذلك لأنه شبيه بظهار الرجل.
ولا شك أنه محرم، فكما أن ظهار الرجل من امرأته محرم فكذلك المرأة، وإذا حرمت زوجها فلا يجوز لها أن تمنعه من نفسها؛ لأن الحق له بالزوجية، فإذا قالت: أنت علي كأبي أو كأخي أو كابني، أو كظهر ابني أو نحو ذلك، ثم طلبها لنفسه ليستمتع بها، فلا تمنع نفسها.
ومن العلماء من يقول: عليها كفارة يمين كسائر المحرمات، فإن كل من حرم شيئاً من المباحات فإنما عليه كفارة يمين، حتى إذا كان للإنسان أمة ينكحها ثم حرمها لم تحرم، ولكن عليه كفارة يمين، واستدل بآية التحريم وهي قوله تعالى: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم:١] إلى قوله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:٢] قيل في سبب نزولها: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل على زينب وتسقيه عسلاً، فحسدتها بعض زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وهما حفصة وعائشة فأرادتا أن يمتنع من شربه، فدخل على إحداهما فقالت: أكلت مغافير! قال: إنما شربت عسلاً عند زينب.
فقالت: جرست نحله العرفط.
يعني: أكلت نحله من شجر العرفط الذي له رائحة، ثم دخل على الأخرى فقالت مثل ذلك، فعند ذلك قال: هو علي حرام، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم:١] .
وقيل: إن سبب نزولها تحريم أمته مارية القبطية، لما وطئها في بيت إحدى زوجاته فأنكرت عليه ذلك، وقالت: في بيتي وعلى فراشي! فقال: (إذاً هي علي حرام) فأنزل الله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:٢] تحلة الأيمان: يعني كفارة الأيمان، فجعل في هذا اليمين كفارة، فإذا قال: هذه الأمة علي حرام، فعليه كفارة يمين، هذا هو الصحيح.
وكذلك إذا قال: هذا الطعام أو هذا الشراب علي حرام.
لا يكون حراماً، وإنما يكون فيه كفارة يمين، بخلاف تحريم الزوجة الذي يسمى ظهاراً، إذا حرم زوجته ولم يشبهها بأمه أو بغيرها، بل قال: أنت علي حرام، ففعليه كفارة الظهار؛ لأن هذا شبيه بما إذا قال: نكاحكِ علي محرم كنكاح أمي أو أختي أو ابنتي.
فيكون بذلك مظاهراً، وهكذا إذا قال: أنتِ علي حرام.
عليه كفارة الظهار، هذا هو القول الصحيح.