للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مقدمة في أقسام فراق الرجل لامرأته]

قسم العلماء فراق الرجل لامرأته إلى ثلاثة أقسام: الخلع، والطلاق، والفسخ.

القسم الأول: الخلع: وهو خاص بما إذا طلبت الزوجة الفراق، وبذلت شيئاً من المال، فإذا كرهت خُلق زوجها، أو خَلقه، أو نقص دينه، أو خافت الإثم بالبقاء معه لعدم أداء حقه، فلها والحال هذه أن تبذل شيئاً من مالها، أو تعطيه صداقه على أن يفارقها.

وهذا الفراق ليس طلاقاً، ولا ينقص به عدد الطلاق، بحيث إنه لو خالعها، ثم بعد ذلك تراجع، ثم خالعها مرة أخرى، ثم تراجع، ثم خالعها ثالثة فلهما أن يتراجعا بعقد جديد؛ لأنه ليس طلاقاً من قِبله.

القسم الثاني: الطلاق الذي يفعله الزوج، فقد يكره زوجته؛ يكره خَلقها أو خُلقها أو، نقص دينها، أو عدم عفتها، أو يكرهها كراهية قلبية، وإن لم يكن هناك سبب ظاهر، ففي هذه الحال له أن يطلقها، وله بعد الطلقة الأولى أن يراجعها، وله بعد ذلك إذا راجعها أن يطلقها مرة ثانية، وله أن يراجعها بعد الطلقة الثانية في العدة، وبعد العدة بعقد جديد، وإذا طلقها الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، ويطؤها الزوج الثاني، ويكون نكاحه نكاح رغبة لا نكاح تحليل، وهذا هو الذي جاء به الإسلام؛ حتى لا يضر الرجال بالنساء.

ذكروا أنهم كانوا قبل الإسلام يطلق أحدهم ما شاء ثم يراجع، يطلقها المرة الأولى، فإذا قاربت انقضاء العدة راجع، ثم يطلق طلقة ثانية، فإذا قربت العدة راجع، ثم يطلق ثالثة فإذا قربت العدة راجع، وهكذا بعد رابعة وبعد خامسة، إلى ما لا نهاية له، ولما كان في ذلك ضرر على المرأة منع الله من ذلك، وحدد له ثلاث طلقات، يراجع بعد اثنتين أو يجدد العقد، ولا يقدر بعد الثالثة؛ حتى لا يضاروا بالنساء؛ لقول الله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا} [البقرة:٢٣١] ، فإنها إذا كانت كلما شارفت على انقضاء العدة راجعها، لا شك أنها تتضرر، ولذلك قال الله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} [النساء:١٢٨] ثم قال: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء:١٢٩] يعني: العدل التام الذي يكون في القلب محبة وفعلاً، ثم قال: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء:١٢٩] يعني: يميل مع إحدى زوجتيه، ويترك الأخرى كالمعلقة، فتكون لا أيماً ولا ذات زوج، أي: ليس معها زوج يواسيها ويعطيها حقها، وليست أيماً أي: غير مزوجة بل زواجها كأنه ليس زواجاً، هذا هو الإمساك ضراراً.

وأباح الله له أن يفارقها، قال تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ} [النساء:١٣٠] إذا لم تناسبه فإن له أن يفارقها، وسوف يغنيه ربه، ويغنيها أيضاً، وييسر لكل منهما ما يناسبه، ييسر له امرأة تناسبه، وييسر لها زوجاً يناسبها: (يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ) هكذا وعد الله، فهذا الطلاق هو الذي يعتاده الذين يرغبون في فراق أزواجهم، ولكن كرهوا للرجل كثرة الطلاق، فلا يكون مذواقاً مطلاقاً، بحيث إنه يتزوجها ثم بعد شهر أو سنة يطلق، ثم يتزوج الثانية ثم يطلق، وما روي عن بعض السلف أنه كان كثير الزواج وكثير الطلاق، فلعل ذلك بسبب عدم صلاحية أو ما أشبه ذلك، كما ذكروا عن الحسن بن علي رضي الله عنه، فإنه تزوج نساء كثيرات، ذكروا في بعض ترجمته: أنه مرة كان يمشي في المدينة، فرأى نساءً كثيرات، ولما رأينه اجتمعن والتف بعضهن ببعض وجلسن حياءً منه، فوقف متعجباً! فكلمته إحداهن -وهي أجرؤهن- وقالت: امض رحمك الله، فما منا واحدة إلا وقد ذقت عسيلتها! يعني: هذا الجمع الكثير ما منهن واحدة إلا وقد تزوجها ودخل بها ثم طلق.

وقرأت في تاريخ ابن كثير، فذكر في آخر ترجمة لبعض المترجمين فيه أنه تزوج بألف امرأة، هكذا ذكر، ويظهر أن فيه مبالغة.

وكذلك في هذه الأزمنة إذا رأوا الرجل مذواقاً مطلاقاً كرهوا أن يزوجوه؛ لأنه إذا طلقها كرهتها النفوس، فإذا طُلقت المرأة فإن الرجال ينفرون منها، ويعتقدون أنها ما طلقت إلا لعيب فيها؛ لأمر من الأمور التي تعاب بها، فيكون ذلك ضرراً عليها، وكان الأولى ألا يتزوج إلا برغبة، وأن يعزم على أنها زوجة له طوال حياته وحياتها، ولا ينوي أن زواجه بها تجربة أو ما أشبه ذلك.

فلعله بذلك يرغب فيها وترغب فيه، أما أن يطلقها بعد أن يدخل بها بيومين أو بشهر أو نحو ذلك، فإنها تتضرر بذلك، حتى ولو كان كثير الأموال ويقول: لا يهمني أن أتزوج كل شهر أو كل سنة، وأدفع كثيراً من الأموال، فالمال عندي متوافر، فهذا لا يسوغ له كثرة الطلاق وكثرة النكاح.

القسم الثالث: الفسخ: وهو فسخ الحاكم للعقد الذي بين الزوجين، ولا يتولى ذلك إلا القاضي أو من يقوم مقامه، وله أسباب؛ منها: غيبة الرجل، فإذا غاب كثيراً، وترك زوجته، وليس عندها نفقة، ففي هذه الحال إذا تضررت فإن للحاكم أن يفسخ نكاحه ولو كان غائباً، فيقول: حكمت بفسخ نكاح فلان بفلانة.

وبعد فسخه تستبرئ بحيضة، ثم تتزوج إذا شاءت، هذا إذا لم تصبر وتتحمل.

ومن أسباب الفسخ: إذا ظهر في أحدهما عيب، إذا ظهر في الرجل عيب وكرهته المرأة، فإن لها أن تطلب من الحاكم أن يفسخ نكاحها.

ومن أسباب الفسخ إذا جاءت الفرقة من قِبَلها، كما لو نشزت وطالت مدة نشوزها، فله أن يفسخها.

وكذا لو ارتدت عن الإسلام فللقاضي أن يفسخ النكاح بينهما، ويكون ذلك الفسخ من قبل الحكام.

وأكثر ما يكون الفسخ إذا كان الزوج غائباً أو ظهر فيه عيب كعمى أو برص أو جذام أو جنون أو مرض مزمن أو ما أشبه ذلك، ففي كل هذا يجوز للحاكم أن يفسخ ما بينهما من النكاح.

وهذا الفسخ لا يحسب من عدد الطلقات، بمعنى: أن زوجها لو رجع ووجده أنه قد فسخ نكاحها، فله أن يخطبها، ولو كانت قد فسخت منه ثلاثاً، فله أن يخطبها ويعيد نكاحها.