للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آداب دخول الخلاء]

يسن تغطية الرأس إذا كان في صحراء مثلاً؛ لأنه جالس على شيء مستقذر، وكذلك يلبس نعالاً مخافة أن ينصب عليه البول أو يتطاير إليه.

قوله: (وتقديم رجله اليسرى دخولاً، واليمنى خروجاً) اليمنى تقدم في الأشياء الفاضلة كالمسجد، والبيت، وفي لبس النعل والخف، واليسرى بعكسها، ويقدم الإنسان في دخول الخلاء رجله اليسرى، ويقدم عند الخروج رجله اليمنى، عكس المسجد والنعل، قيل: إن هذا تكريم لليمنى.

وكذلك يعتمد عند جلوسه أكثر ما يعتمد على رجله اليسرى تكريماً لليمنى؛ وقيل: لأنه أسهل للخارج.

ويسن أن يبعد إذا كان في صحراء؛ لأنه على حالة مستقذرة؛ لأنه قد يسمع منه صوت، ولأنه قد يتأذى بما يخرج منه إذا كان قريباً.

ويسن طلب مكان رخو للبول، فإذا كان في أرض صلبة يحرص على أن يجد أرضاً لينة ليأمن رشاش البول، أو يأخذ حجراً فينكت به الأرض إلى أن تلين، حتى إذا انصب البول عليها لم يرتد عليه الرشاش الذي قد يقع على ثوبه أو يقع على قدمه أو على ساقه، فيتنجس وهو لا يدري؛ لأن البول ورشاشه نجس.

أما مسح الذكر باليد اليسرى إذا انقطع البول من أصله إلى رأسه ثلاثاً، وكذلك نثره ثلاثاً، فهذا ليس بصحيح، ولا حاجة إليه، وقد ذكرها الفقهاء وقالوا: إنه من باب الاحتياط؛ حتى يخرج ما بقي في الذكر، ولكن الصحيح أنه لا حاجة إليه؛ وذلك لأن البول -كما ذكر شيخ الإسلام - في المثانة كاللبن في الضرع، إن حُلب در، وإن تُرك قر، فلا حاجة إلى هذا التمسح والنتر، ثم ذكروا أنه يحدث السلس، وهذا واقع، وقد ذكر لي كثير من الشباب أن معهم هذا السلس، بحيث يخيل إلى أحدهم إذا قام وإذا خرج بقطرتين أو بقطرات، وسبب ذلك أنه يستعمل السلت والنتر، فكان من أثر ذلك أن حدث معه هذه الوسوسة، فصار دائماً يوسوس في الطهارة، والصواب: أنه إذا توقف البول وانقضى تقاطره فإنه يستنجي بعده، ويغسله بالماء، والعادة أن الماء يوقفه؛ ولذلك يسن الغسل بالماء استنجاءً من النجو الذي هو القطع، تقول: نجوت الشجرة، أي: قطعتها، فالأصل أنه إذا تبول فإنه يستنجي بعد ذلك، ولا يلتفت إلى ما يوسوس به الشيطان.

ثم ذكر المصنف الأشياء المكروهة، والمحرمة، والمسنونة، فمن المكروهات أن يدخل الحمام أو بيت الخلاء بما فيه ذكر الله، وذكروا أنه صلى الله عليه وسلم كان مكتوباً على خاتمه (محمد رسول الله) فكان إذا ذهب إلى الخلاء نزع خاتمه، وإذا لم يستطع أو لم يجد قبض عليه بيده اليمنى، يعني: يجعل فصه مما يلي الكف ويقبض عليه، فإذا كان مع الإنسان أوراق فيها ذكر اسم الله فالأولى أن يخرجها، فإن لم يستطع أو نسي فإنه يخفيها في جيبه.

ويعم ذلك كل ما فيه ذكر الله حتى ما فيه البسملة ونحوها.

ويكره تكلمه وهو جالس على حاجته؛ لأنه على حالة مستقذرة إلا لضرورة كإجابة داع، أو إنقاذ هالك أو نحو ذلك.

ويكره رفع ثوبه قبل دنوه من الأرض، فإذا كان في الصحراء فلا يرفع ثوبه حتى يقرب من الجلوس؛ لأنه إذا رفع ثوبه انكشفت عورته للناظرين.

ويكره أن يبول في شق ونحوه، أي: جحر الدابة؛ لأنه قد يخرج عليه من الشق شيء من الدواب أو نحوها، وقد يكون ذلك الشق مسكوناً فيه بعض الجن أو نحوهم، ومما يذكر في هذا الباب أن سعد بن عبادة بال في شق فصرع ميتاً، فسمعوا قائلاً يقول: نحن قتلنا سعد بن عبادة ورميناه بسهم فلم نخطئ فؤاده والله أعلم بذلك.

قوله: (ويكره مس فرج بيمين بلا حاجة) يعني: اليمين تنزه عن أن يمس بها فرجه في الاستنجاء أو الاستجمار، أو أن يمسك ذكره بيمينه تكريماً لليمين، لكن إذا كان أقطع أو مشلولاً أو نحو ذلك جاز له ذلك للضرورة.

أما استقبال النيرين فجعلوها من المكروهات، ولعل الصواب أنه لا مانع من ذلك، والنيران هما: الشمس والقمر، ولا دليل على الكراهة إلا لما فيهما من نور الله، واستنبط بعض العلماء جواز الاستقبال والاستدبار من قوله صلى الله عليه وسلم: (ولكن شرقوا أو غربوا) وقالوا: إنه أمر أهل المدينة إذا جلسوا لقضاء الحاجة أن يشرقوا، ولم يقل: إلا أن تكون الشمس طالعة، وأن يغربوا، ولم يقل: إلا أن تكون الشمس غاربة، وكذلك القمر، والغالب أنهما يكونان في المشرق والمغرب.