إنما الرضاعة من المجاعة، ومعلوم أن الرضاعة بعد ذلك لا تكون رافعاً للجوع، وهذا هو الصحيح الذي عليه العمل: أن رضاع الكبير لا يحرم، أي: بعد الفطام، وما كان بعد الحولين ولو تغذى به، ولو كثر فلا يحرم.
وجاء حديث عن امرأة أبي حذيفة (اشتكت للنبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إن سالماً إنما نعده ولداً، وإنه قد بلغ مبلغ الرجال، وإني أرى أبا حذيفة يكره أو يسوءه دخوله علي فقال: أرضعيه تحرمي عليه) مع أنه رجل ذو لحية! فأرضعته خمس رضعات، فكان يدخل عليها كأنه أحد أولادها مع أنه كبير.
فمن العلماء من أخذ بهذا الحديث مطلقاً وقال: يحرم رضاع الكبير كما يحرم رضاع الصغير؛ لهذا الحديث.
ومنهم من قال: إنه خاص بـ سهلة امرأة أبي حذيفة، فهو من الخصوصيات للعلة التي ذكرت بأنه كان مولى وخادماً لهم، مع أنه ليس مملوكاً ولكنه مولى، فيحمل على الخصوص، فلا يعارض الأحاديث الأخرى كحديث:(إنما الرضاعة من المجاعة) ، ورضاع الكبير لا يقطع الجوع، فالرضاع إنما يحرم إذا أنبت اللحم وأنشز العظم، ورضاع الكبير لا ينبت اللحم ولا ينشز العظم، ولا يحصل به الشبع، فلا يكون محرماً، فيكون من خصائص سهلة امرأة أبي حذيفة.
وعائشة رضي الله عنها عملت بهذا الحديث، فكانت إذا أرادت أن يدخل عليها رجل من التلاميذ الذين يقرءون عليها أو يستفيدون أمرت أختها أو بنت أخيها أن ترضعه حتى يكون ابن أختها أو نحو ذلك، أما بقية أمهات المؤمنين فامتنعن من ذلك، وقلن: إن قصة سالم خصوصية.
ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أنه: إذا وجد امرأة ابتليت بما ابتليت به سهلة، واضطرت إلى أن يدخل عليها بعض الرجال، فإنها إذا أرضعته حرمت عليه، وصار محرماً لها، وأما سائر الناس فلا يحرم، فيكون خاصاً بمن كان مثل سهلة.