والعفيف: هو الذي ليس متهماً بفعل الفاحشة، بل هو من الذين يعرف أنهم بعيدون عن هذا المنكر.
والفقهاء ذكروا أمثلة لهذا القذف، ولكن الصحيح أنه إذا كان اللفظ صريحاً فإنه يكون قذفاً، وإذا كانت اللفظة تستعمل لغير الزنا أو اللواط فاعلاً أو مفعولاً وإنما تستعمل لغيره فلا يكون قذفاً، فإذا قالوا مثلاً: زنيت يا فلان أنت زانٍ، زنيتي، رأيتك تزنين، زنى فرجك زنى دبرك أو قبلك أو: زنى بك فلان أو نحو ذلك، وكذلك أيضاً العبارات التي تستعمل لذلك وقد تكون أيضاً كنايات مثل النيك، كقول: يا منيوك.
أو: يا منيوكة أو ما أشبه ذلك، وهناك عبارات ليست صريحة، مثل كلمة (معفوج) أو نحوها، وكلمة (لوطي) قد يراد بها أنه على ملة لوط إذا قال ذلك، أما إذا قال: إنه -كما يعبرون- مخنث.
أو: إنه متخنث.
والتخنث هو التشبه بالنساء في ترقيق الكلام ونحوه، ولكن قد تستعمل صريحاً في أنه يفعل به إذا قالوا: مخنث أو تخنث أو نحو ذلك، وهكذا كثير من العبارات، وقديماً يعبرون عنه بقولهم:(مأبون) يعنون المفعول به، أو مأبون بمعنى: أنه يفعل به وما أشبه ذلك.
فالحاصل أنه إذا كان المجتمع يفهم من تلك الكلمة التي رماه بها أنه يريد بذلك الزنا، أو أنه فاعل أو مفعول به، وكانت تلك الكلمة صريحة واضحة فإنها تقبل منه ويعاقب بموجبها، ويقال: قد رميته بفعل الفاحشة فعليك الحد.
ثم حد القذف حد للمقذوف لا يقام إلا بمطالبته، فلو سمح وقال: هذا رماني وقذفني وأنا أتنازل عنه فإنه يسقط عنه الحد، وإذا مات قبل أن يتنازل فهل لورثته أن يطالبوا ويقولوا: هذا قذف أبانا، أو قذف ابننا، فنريد أن نقيم عليه الحد؟ يقولون: إنهم لا حق لهم؛ لأنه لا يدرى هل سمح أم لم يسمح، ولو لم يكن هناك بينة على أنه أسقط ذلك، ويشترط في حد القذف كون مثله يطأ أو يوطأ، ويشترط كونه يتمكن من الوطء، أما لو -مثلاً- قذف طفلاً عمره ثماني أو سبع سنوات بأنه زنى فمثل هذا يعلم أنه كاذب؛ لأنه لا يتصور منه، لكن إذا قذف به وقال: إنه فعل به فلان فهذا قد يتصور أنه يفعل به ولو كان عمره سبع أو ثماني سنوات، ولكن مع ذلك حيث إنه لم يكلف فإنه ليس عليه عقوبة، وذكروا أنه إذا بلغ وكلف فله المطالبة، فإذا قال: إن هذا رماني بأني مفعول بي أو وفعل بي قبل خمس سنين أو قبل عشر سنين، وعليه عندي بينة يشهد عليه فلان وفلان، وقد كذب علي فأريد إقامة الحد عليه ليجلد ثمانين جلدة ففي هذه الحال إذا طالب بذلك بعد تكليفه وكان هناك بينة ثبتت العقوبة والحد على ذلك القاذف.
وأما إذا لم يكن القذف صريحاً بالزنا فإن فيه التعزير، فإذا قال -مثلاً-: يا كافر.
أو: هذا كفر وليس حقاً يعزر القائل، وكذلك إذا قال: يا معلون وليس مستحقاً لذلك، وطالب ذلك الذي لعن يستحق ذلك التعزير، وأما إذا قال: يا أعور يا أعرج يريد بذلك عيبه فهذا أيضاً فيه التعزير إن طلب ذلك؛ لأنه قد يقول: هو ليس بصادق.