[شروط الشهادة على الشهادة]
ما هي كيفية تحميل الشهادة؟ ومتى يشهد الفرع على شهادة الأصل؟ يشترط لتحميل الشهادة -أولاً- أن يتعذر شهود الأصل، فإذا كان شهود الأصل موجودين فلا حاجة إلى الفرع، فنأتي بالأصل، ونحضرهم عند القاضي فيقولون: نعم، نشهد أن فلاناً باع كذا واشترى كذا، نشهد أنه غرس أو أنه حفر أو أنه بنى هذا المكان، أو أنه باع، أو أنه اشترى، أو أنه صنع كذا، نشهد بذلك.
فإذا تعذر شهود الأصل احتيج إلى شهود الفرع.
متى يتعذر شهود الأصل؟ يتعذر بالموت، الشاهد الأول مات، فنأتي بالفرع ونقول له: أليس فلان أشهدك قبل أن يموت على أن هذا ملك لفلان؟ فيقول: نعم، وحملني شهادته.
وكذلك إذا كان مريضاً، فالمريض إذا كان عنده شهادة ثم قال لك: إني لا أقدر على الذهاب إلى القاضي، ولكن اشهد عني وانقل شهادتي بأني أشهد أن هذا لفلان وأن هذا لفلان، فإنه يقبل.
وكذلك إذا كانت غيبة طويلة، ويمثلون بالغيبة مسافة قصر وهي في ذلك الزمان غيبة طويلة، مثلاً من الرياض إلى الخرج أو إلى قرى سدير، هذه مسافة طويلة في ذلك الوقت، فكانوا يحتاجون للشهادة على الشهادة، فيقول: أنا لا أقدر أن أرسل رسالة إلى القاضي ولكن احمل شهادتي إليه، اشهد أني أشهد أن فلاناً باع كذا أو اشترى كذا أو ما أشبه ذلك، فحينئذ تقبل شهادة الفرع.
وقد ذكرنا أن الزمان قد تغير في مسألة القرب والبعد، ففي هذه الأزمنة صار ذلك البعيد قريباً، كان مسيرة خمسة أيام فأصبح مسيرة ساعتين أو ثلاث ساعات، فلا يكون هناك مشقة، فيقال لصاحب الحق: أحضر شاهدك، إذا كان مثلاً في القصيم أحضره، فالقصيم قريبة، وأربع ساعات أو عشر ساعات لا يضرك أن تذهب وتأتي به.
وفي هذه الأزمنة يكون هنا الاستخلاف، والاستخلاف عند القضاة أن يكتب القاضي إلى القاضي الآخر فيقول: استخلفتك في سماع شهادة فلان، فالمدعي يقول: شهودي بعيدون في مكة أو في نجران، ولا أقدر أن أقدمهم؛ لأن علي تكلفة عندما آتي بهم، أدفع أجرة إركابهم ونحو ذلك، ولكن أيها القاضي أعطني استخلافاً لقاضي نجران أو لقاضي مكة، فيكتب قاضي الرياض إلى قاضي مكة: استخلفتك لتثبت الشهادة التي عند فلان لصالح فلان وترسلها إلينا، فإذا أرسلها فإنه يجعلها في ظرف مختوم، ويختم عليها، ويكتبها في أوراق رسمية؛ فيجزم القاضي الأول أن هذا ختم فلان، وأن هذا إثباته، ففي هذه الحال أصبحت المسافة البعيدة قريبة، فلا حاجة حينئذ إلى التحمل.
فالحاصل أنه إذا مات شهود الأصل أو مرضوا أو اختفوا أو غابوا غيبة طويلة ولا يدرى أين هم، أو خافوا إذا خرجوا من السلطان، أو خافوا من غريم، يقول: أنا إذا ذهبت إلى المحكمة فإن السلطان يطلبني؛ لأن علي له تبعة أو لأن فلاناً سيمسكني لأن عندي له ديناً، فيمسكني ويطلبني وأنا لا أقدر على سداده يختفي، ففي هذه الحال تقبل شهادة الفرع، فيوكل ويقول: اشهد على شهادتي.
ويشترط ثانياً: دوام عدالتهما، يعني: عدالة الأصل والفرع، فيقول الشاهد الأصل: اشهد على شهادتي، ثم نسأل: هل تعرف ياقاضي شاهد الأصل؟ فقال: نعم، أعرفه وأعرف عدالته، وشاهد الفرع هذا هل تعرفه؟ قال: نعم، فإذا قال: لا أعرف الفرع ولا أعرف الأصل، فكيف نفعل؟ يكلف صاحب الحق المدعي أن يزكي شاهدي الأصل والفرع.
ويشترط ثالثاً: الاسترعاء، يعني: التحميل، وهو استرعاء الأصل للفرع أو استرعاؤه لغيره وهو يسمع، كأن يقول: اشهد بأني أشهد أن فلان بن فلان أشهدني على نفسه أو أقر عندي بكذا ونحوه.
وكذلك إذا قال: اشهد على شهادتي فإن عندي شهادة أن فلاناً باع كذا، أو اشترى كذا، أو ابتاع كذا، أو أوقف كذا، أو أجر كذا، أو حفر، أو غرس، أو عمر، أنا أشهد على هذا، وأنا أخشى من الموت، فاشهد على شهادتي، فهذا يسمى استرعاء.
كذلك إذا سمعته يحمل غيرك، فأنت مثلاً اسمك إبراهيم، سمعت صاحب الأصل يقول: يا سعيد! اشهد على شهادتي، فإني أشهد أن البيت الفلاني وقف، أو أن البئر الفلاني وقف على المسجد أو أن هذه الأرض الفلانية وقف للمقبرة، فيشهد سعيداً، فأنت يا إبراهيم تقول: نعم، أشهد أني سمعته يقول: يا سعيد احمل شهادتي واشهد أني أشهد بكذا وكذا، هذا هو الاسترعاء، تقول: أشهد أني أشهد أن فلان بن فلان أشهدني على نفسه، أو أقر عندي بدين، أو أقر بالقبض، أو أقر بالبيع، أو أقر بوقف أو نحو ذلك.
وهكذا إذا سمعته يشهد عند الحاكم، فيقول: ياحاكم! عندي شهادة، ولكن الحاكم مثلاً تغافل ولم يكتب شهادته، فشهدت أنت بشهادته، وكذلك إذا سمعته يعزوها إلى سبب كبيع وقرض، يقول: نعم، أنا أشهد أن فلاناً استقرض من فلان ألف ريال، ثم مات الشاهد الأول وأنكر المقترض، وأنت سمعت ذلك الشاهد، ففي هذه الحال لك أن تشهد وتقول: إني سمعت فلاناً يشهد بهذا القرض ويعترف به، في هذه الحال لك أن تشهد، فإذا قلت مثلاً: إن فلاناً أشهدني على نفسه، أو أقر عندي بكذا ونحوه، أو سمعته يشهد عند الحاكم، أو سمعته يعزوها إلى سبب، قال مثلاً: عندي دين لفلان ثمن البيت، أو ثمن الأرض، أو ثمن البستان، أو ثمن الطعام، عندي بيت، عندي دين، أقرضني زيد، فإذا سمعته فلك أن تشهد على شهادته.
يقول: (وتأدية فرع بصفة تحمله) ، هذا أيضاً من الشروط، كيف تؤدي وأنت الفرع؟ تؤدي بصفة التحمل، أنت تحملت عن إنسان متحمل، وذلك أنه حملك الشهادة، فأد بصفة ما حملك ولا تزد ولا تغير، فتقول مثلاً: أشهدني على البيع ولم يشهدني على قيمة الثمن، ولكن أشهدني أن فلاناً باع هذه الدار على فلان دون أن يشهدني على قدر الثمن، فتشهد بصفة التحمل.
ومن الشروط أيضاً: تعيينه الأصل، أي: أن يسمي أصله، فإذا كان الأصل الشاهد اسمه إبراهيم، والفرع اسمه سعيد، فهو يقول: أنا سعيد، أشهد على شهادة إبراهيم، ويسميه حتى يعرف، وهذا معناه تعيينه لأصل بحيث يتعين، فلا يقول: سمعت رجلاً أو سمعت واحداً من أهل هذه البلد أو أشهدني إنسان لا أعرفه بكذا وكذا، فلابد من تعيين الأصل.
ومن الشروط: ثبوت عدالة الجميع.
فالشروط هي: الأول: تعذر شهود الأصل، الشرط الثاني: دوام العدالة، فإذا كان عدلاً وقتاً ثم صار غير عدل بطلت.
الشرط الثالث: الاسترعاء والتحميل، أن يقول: اشهد أن أشهد أن عند فلان كذا وكذا.
الشرط الرابع: تأدية الفرع بصفة ما تحمله.
الشرط الخامس: تعيين الأصل، أن يقول: أشهد بشهادة فلان.
الشرط السادس: ثبوت عدالة الجميع عند القاضي، فلابد أن يتثبت.