قديماً كان الوقف منزلاً صغيراً، وكان يؤجر في السنة بمائة أو بثمانين، فيقول الواقف: وقفته في أضحية، ويسكت عما زاد؛ لأنه في ذلك الزمان لم تكن غلته إلا بقدر الأضحية، لكن في هذه الأزمنة قد يكون إيجاره عشرة آلاف، وقد تصل في بعضها إلى مائة ألف بعد أن كانت أربعين ريالاً، وذلك بسبب أن الأوقاف كانت محل رغبة، ثم نُزعت ملكيتها، ولما نُزعت قدر لها ثمن كثير، فاشتري بها في مكان آخر، ثم جاءها أيضاً تثمين فقدرت بملايين، فعُمر بها أيضاً، فكانت تُغل كل سنة ثلاثمائة ألف أو خمسمائة ألف، وليس فيها إلا أضحية.
ففي هذه الحال إذا لم يذكر لها مصرفاً فإن الباقي يصرف في أعمال الخير، وما ذاك إلا لأن الواقف إنما قصد أن يبقى الأجر مستمراً عملاً بحديث:(صدقة جارية) ، فلما كانت كذلك رأى العلماء أن يصرف الباقي في مصارف الخير.
كثير من الواقفين لا يعينون المصرف، بل يقولون: هذا البيت وقف في أعمال البر، ففي هذه الحال تتولاه وزارة الأوقاف، وفي كل دولة وزارة أوقاف، فهذه الوزارة تصرفه في وجوه الخير.
أما إذا كان الواقف قد عين جهة، كما إذا حدد أن هذا البستان أو هذا المنزل وقف على أولاده، فإنه يقتصر عليهم.
وهنا
السؤال
لماذا وقفته على أولادك، فأموالك كلها لأولادك يأخذونها بعد موتك، فلماذا جعلته لأولادك؟
الجواب
يقول: إذا جعلته ملكاً مطلقاً يمكن أنهم يبيعوه، وإذا اقتسموه ربما أنهم يفسدونه وينفقونه بسرعة، أما إذا بقي فإنهم إن احتاجوا سكنوا، وإن لم يحتاجوا أجّروا، ويبقى مؤجراً ينتفعون به هم، ومن بعدهم أولادهم، فهذا مقصد كثير من الذين يوقفون البيوت والدكاكين على أولادهم، فيقولون: نخشى أن يبيعوه ويصرفوه ولا يبقى لهم شيء يغل.
وهكذا إذا وقف البستان، فقد يوقف البستان ويجعل فيه أضحية أو حجة، أو يجعل فيه نخلة للصائمين، وقد كانوا قديماً يقولون: هذه النخلة وقف لإفطار الصائمين في هذا المسجد، فتبقى النخلة موقوفة، والبقية ملك، فلا يقدرون على أن يبيعوه؛ لأن فيه نخلة، وقد يكون فيه نخلات، ويوجد الآن بعض البساتين أوقف الجد الأبعد نخلة، ثم الجد الذي يليه نخلة، ثم الجد الذي دونه نخلة، وهكذا إلى أن وصلت إلى خمس أو عشر، ولا يقدرون على بيعه، فلأجل ذلك يقتصرون على استغلاله.