هنا نتكلم على الإنابة؛ لأنه وقع فيها تساهل، وذلك لأن كثيراً من الناس اتخذوها حرفة وأرادوها للتجارة، ويسمونها حج البدل، فيأتي كثير من الناس إلى الرياض يقولون: أعطونا حج بدل.
فنقول لهم: إن النائب إنما يحج من البلد التي منها المحجوج عنه، فأنتم الآن حججتم إلى الرياض والحج إلى مكة، فكيف تأتون لأجل هذا؟ وبهذا نعرف أنهم ما أرادوا بذلك إلا المال، والدليل على ذلك: أنهم يماكسون، فإذا قيل لهم: نعطيكم ألفين؛ لأن حجكم إلى مكة ولا ترجعون إلى الرياض قالوا: إن فلاناً يعطي ثلاثة، وفلاناً يعطي أربعة.
وهكذا، فهذا يدل على أنهم ما قصدوا إلا المال، فنقول لك: لا تنب إلا من يريد الحج لا من يريد المال.
وصورة ذلك: إنسان فقير يحب أن يحج بنفسه ويشارك الحجاج في تلك المواسم ويكون ممن تنزل عليهم الرحمة، وممن يباهي الله تعالى بهم الملائكة، ولكنه فقير ليس عنده ما يبلغه وما يرده، ويتمنى أن يحج ولكن ليس بقادر مع أنه قد حج فريضة الإسلام، فهذا أخذ المال لأجل الحج، فمثل هذا يعطى نيابة، وعليه أن ينفق منها في حجه نفقة ذهابه وإيابه وفديته وتنقلاته وما بقي منها يرده على أهل الحاج إلا إذا سمحوا، هذا هو الأصل، وقليل الذين يعملون بذلك.
وقبل خمس وعشرين سنة كان الحاج تكفيه مائة ريال أجرة ركوب ذهاباً وإياباً، ويكفيه للنفقة ذهاباً وإياباً خمسون ريالاً أو سبعون ريالاً، ثم ما زالوا يزيدون ويزيدون إلى أن صاروا يطلبون ألوفاً، فعرفنا بذلك أن مثل هؤلاء يتخذون الحج حرفة وتجارة يريدون بها المال، فلا يجوز إعطاؤهم؛ لأن من عمل عملاً لأجل مال بطل أجره؛ لقول الله تعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ}[هود:١٥] ، ولقوله تعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ}[الشورى:٢٠] ، وفي الحديث:(تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم) .