الربا نوعان: ربا فضل، وربا نسيئة، وربا الفضل أخف؛ وذلك لأن فيه خلافاً عن بعض السلف، فقد روي عن ابن عباس وغيره أنهم أباحوا ربا الفضل، ولكن ذكروا أن ابن عباس رجع عنه، وإن كان قد تبعه على ذلك بعض تلامذته وقالوا بقوله، وذكر بعضهم أنه لم يرجع عن إباحته، واستدل له بحديث أسامة في الصحيح:(لا ربا إلا في النسيئة) أو: (إنما الربا في النسيئة) فأخذوا من هذا أنه لا يحرم ربا الفضل، ولكن فسره بعضهم بقوله: لا ربا أشد ولا ربا أعظم من ربا النسيئة.
بدأ المؤلف بربا الفضل، واختار هنا أنه في كل مكيل وموزون بيع بجنسه متفاضلاً، فيحرم ربا الفضل في كل مكيل وموزون بيع بجنسه متفاضلاً ولو يسيراً لا يتأتى، وفي الحاشية قال: كتمرة بتمرتين، وهذا هو المشهور عن الإمام أحمد أن علة الربا: الكيل والوزن، فكل ما يكال أو يوزن فإنه يعتبر ربوياً، فكل مكيل بيع بجنسه، فلابد أن يكون متساوياً ولا يصح متفاضلاً، والمكيلات هي: ما كان أهل المدينة يبيعونه بالكيل؛ كالتمر، والزبيب، والبر، والشعير، والذرة، والدخن، والأرز، وكذلك ما كان مكيلاً ولو لم يكن قوتاً، مثل: القهوة، والهيل، والقرنفل، والزنجبيل، وكذلك ما ليس بمأكول ولا مطعوم؛ كزهر الورد، والصابون -مثل: التايت الآن-، يقولون: كل ما يباع بالكيل لا يجوز صاع بصاعين من نفس الجنس، مثل صاع بر بصاعين، هذا ربا، ولا صاع شعير بصاعين، ولا صاع بر بصاع وحفنة، ولا صاع تمر بصاعين، لا يجوز هذا، ودليله أن بلالاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر جيد، فسأله:(أكل تمر خيبر هكذا؟ فقال: لا يا رسول الله، والله إنا لنشتري الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال: أوه أوه! عين الربا، لا تفعل، بع الجمع بالدراهم ثم اشتر بالدراهم جنيباً) أي: إذا أردت أن تشتري تمراً جيداً وعندك تمر رديء، فالتمر الرديء بعه بدراهم، ثم اشتر بالدراهم تمراً جيداً من الذي تريد، فأما أن تقول: يا صاحب الجيد! أعطني صاعاً بصاعين، أو صاعين بثلاثة، أو صاعين بأربعة، فهذا لا يجوز، وهو عين الربا كما ورد في هذا الحديث.