للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال ابن جني: يقول لو كانت هذه المغاني دمشق في الطيب، لثنى عناني عنها واجتذبني إليها هذا الممدوح، الذي ثرده ملبق، وجفانه غضار صيني، لأنه ملك وليس من أهل البادية.

يَلْجوُجِيُّ ما رُفِعَتْ لِضَيْفٍ ... بِهِ النِيرانُ نَدَّيُّ الدُّخَانِ

قال ابن جني: اليلنجوج العود، يقول: وقوده الذي ترفع به النيران للأضياف عود، ودخان بيته دخان الند، فكأنه قال: عودي الحطب ندي الدخان.

دَعَتْهُ بَمَفْزَعِ الأعْضَاءِ مِنها ... ليَوْمِ الحَرْبِ بِكْرِ أو عَوَانِ

قال ابن فورجة: حرفه ابن جني فرواه) بموضع الأعضاء منها ثم قال: أي دعته السيوف بمقابضها، والرماح بأعقابها، لأنها موضع الأعضاء منها، حيث يمسك الضارب والطاعن، ويحتمل أن يكون أراد دعته الدولة بمواضع الأعضاء من السيوف والرماح، ومعنى دعته اجتذبته واستمالته، هذا كلامه، وما نعلم أحدا من رواة هذا الديوان روى هذا البيت إلا بمفزع الأعضاء، وإنما يريد بقوله:

بِعَضْدِ الدَّوْلَةِ امْتَنَعَتْ وَعَزَّتْ ... وَلَيْسَ لِغَير ذِي عَضُدٍ يَدانِ

وَلا قَبْضٌ عَلى البِيضِ المَواضِي ... ولا حظٌّ مِنَ السُّمْرِ اللَّدَانِ

فجعل العضد مفزع الأعضاء، لما بينه في البيتين قبله فإن قال قد قلت: إن معنى دعته اجتذبته واستمالته، فإن دولة بني هاشم ما استمالت عضد الدولة بالسيوف ولا الرماح، وإنما استمالته بالملك الذي ملكته، وقد قال) والرماح بأعقابها (وما سمعنا أحدا سمى سافلة الرمح عقبه.

إذا طَلَبتْ وَدَائِعهمُ ثِقاتٍ ... دُفِعْنَ إلى المحَانِي وَالرّعَانِ

قال الشيخ:) المحاني (جمع محنية، وهي منعطف الوادي، و) والرعان (جمع رعن، وهو أنف يتقدم من الجبل، يقول: التجر يطرحون أمتعتهم في محاني الأودية ورؤوس الجبال، لأنهم لا يخشون عليها لصا، فهي ثقات تؤدى إليهم ما استودعوه، وهذا معنى غريب يجوز أن يكون لم يسبق إليه.

وكانَ ابْنا عَدُوّ كاثَرَاه ... لَهُ ياءَي حُرُوفِ أُنَيْسيانِ

قال الشيخ: لما قدم الدعاء لابني الممدوح، أتبعه بالدعاء على أبني عدوه، وعلى أبيهما، وابتهل إلى الله سبحانه أن يكون ابنا العدو وإن زادا في عدده ناقصين من شرفه، وشبههما بياءي أنيسيان، إذا زادا في عدد الكلمة كانتا نقصا للمعنى، لأنهما زيدتا للتصغير، وله أي للعدو.

[حرف الهاء]

قوله:

ذا الذي أنْتَ جَدُّهُ وأبُوهُ ... دِنْيَةً دُونَ جَدّهِ وَأبيهِ

قال أبو علي ابن فورجة:) ذا (محله الرفع، لأنه خبر مبتدأ محذوف، كأنه يقول هو ذا الذي أنت جده وقد تقدمه:

أغْلَبُ الحيزَيْنِ ما كُنتَ فِيهِ ... وَوَلِيُّ النَّماءِ مَنْ تَنْمِيهِ

وقد كان ذكر سيف الدولة جد أبي العشائر وأباه، فذا إشارة إلى أبي العشائر، وليس بمبتدأ يكون) دون جده (خبره، لأنه ليس يعني أن أبا العشائر دونك، ولا فائدة له في ذلك ولا يحس أن يغض منه، وسيف الدولة يمدحه، وليس) دون (بمعنى أوضع وأدنى محلا ومنزلة، بل) دون (من قولك لمن يقرب منك أنا أخوك دون أخيك وأبوك دون أبيك، فيقول: أغلب الحيزين حيز أنت فيه) وولي النماء من تنميه (وهو أبو العشائر الذي أنت أبوه وجده، دون أبيه وجده، وقد أهمل أبو الفتح شرح هذا البيت وهو مما يسأل عنه.

ومن قصيدته التي أولها: النَّاسُ ما لمْ يَرَوْكَ أشبَاهُ

أعلى قَناةٍ الحُسَيْنِ أوْسَطُها ... فيهِ وأعْلى الكَمِيّ رِجْلاهُ

قال ابن جني: فيه أي في هذا المأزق، وسألته عن معنى هذا البيت فقال هو قول الآخر:

ولربَّما أطَرَ القَناةَ بِفارِسٍ ... وثّنى فَقوَّمها بآخر منهم

قال الشيخ أبو العلاء: أراد أنه يطعن الكمي، فتنفذ فيه القناة ويتحطم صدرها، وقد نفذ إلى الجانب الآخر، فقد صار أوسط القناة كأنه أعلاها، لأن بعضها قد ذهب وقد ارتفعت رجلا الكمي لأنه لما طعنه انقلب.

ومن التي أولها:

أوْهِ بَدِيلٌ مِنْ قَوْلَتِي وَاها ... لَمِنْ نَأتْ والبَدِيلُ ذِكْراها

قال ابن جني: التألم لما ألاقيه من بعدها أولى من التعجب لما أتذكر من أمرها.

وقال الشيخ:) أوه (كلمة تقال عند التأوه، قال الشاعر:

فأوه مِنَ البُعْدِ دونَ أهلِها ... ومِنْ خرقِ أَرضٍ دَائِمِ العَسَلاَنِ

<<  <   >  >>