وَبَساتينُكَ الجِيادُ وَما تَحْمِلُ مِنْ سَمْهَريَّةٍ سَمْراءُ قال ابن جني: يقول إنما بساتينك الخيل والقنا، وهما نزهتك وجعل القناة على الفرس كالحمل في الشجرة.
وقال الشيخ: قوله " تحمل من سمهرية " يحتمل وجهين. أحدهما: أن يكون تحمل للجياد. والآخر: أن يكون للممدوح، وهو أبلغ في المدح، ومن المبالغة في البيت أن تكون القناة بمنزلة الغصن المثمر، وتكون ثمرته ما تحمل على السنان من رؤوس الأعداء.
فَتَراها بَنُوا الحُروبِ بأعيا ... نٍ تَراهُ بِها غَداةَ اللِّقاءِ
قال ابن جني: أعيان جمع عين، وأعين أكثر من الكلام، وتراها عائدة على الملوك والهاء في تراه عائد إلى كافور.
وَما سَلَّمْتُ فَوْقَكَ للثُّرَيَّا ... وَلاَ سَلَّمْتُ فَوْقَكَ للسَّماءِ
قال الشيخ: فوق لم تجر عادتها أن تستعمل مفعولاً ولا فاعلاً، وإنما تجيء ظرفاً منصوباً، أو غاية مثل قولهم: من فوق، ومن تحت، وقد جاء شعر نُسب إلى سُحيم عبد بني الحساس وهو شاذ قليل وهو:
أتيت النساءَ الحارثياتِ غدوةً ... بوجهٍ بَراهُ اللهُ غيرَ جميلِ
فشَبَهتَني كلباً ولست بفوقه ... وَلا دونَه إن كان غَير جميلِ
[حرف الباء]
أحْسَنُ ما يُخْضَبُ الحديدُ به ... وخاضبِيهِ النَّجِيعُ والغَضَبُ
قال ابن جني: خاضبيه في موضع جر، معطوف على ما، وجمعه التصحيح لأنه أراد من يعقل وما لا يعقل. وهذا كقوله تعالى:) والله خلق كل دابة فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع (لما خلط الجميع بقوله كل دابة، استعمل من يمشي على بطنه، وعلى أربع والمعنى: أحسن ما يخضب الحديد به الدم، وأحسن خاضبيه الغضب، فجمع اللفظ وهو ينوي التفضيل. وذكر الغضب هاهنا مجازا، وإنما يريد صاحب الغضب.
وقال الشيخ: إن جعل خاضبيه منصوبا، على أنه مفعول معه، فلا يمتنع. وقال ابن فورجة: الذي ذكره الشيخ أبو الفتح غير ممتنع إلا أن فيه من التعسف ما ترى. والذي عندي أن قوله وخاضبيه. قسم قد حصل المعنى الذي أراد، وزال ذاك التكليف، وجعل الغضب خضابا للحديد، لأنه لخضبه بالدم على سبيل التوسع في الكلام، وحسن أيضا ذلك لأن الغضب يحمر منه لون الإنسان وتحمر عيناه، كما قال الشاعر:
هَلاَ سَألتِ غَداةَ الرَّدعِ ما حِسبي ... عندَ الطَّعانِ إذا ما احمرَّتِ الحَدَقُ
وكما قال الشيخ أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري يصف سهيلا:
وسُهيلٌ كوجنَةِ الحِبِّ في اللّوِنِ ... وقلبِ المُحبّ في الخَفَقانِ
يُسرِعُ اللّمحَ في إحِرارِ كما تُسرِعُ ... في اللّمحِ مُقلةُ الغَضبانِ
وقد رويت عن جماعة ممن أثق بهم، رووه عن المتنبي) وخاضبيه (الباء بالفتح، كأنه يريد أحسن خاضبيه تثنيه خاضب، كأن النجيع خاضب، والذهب خاضب فقال أحسنها الدم، ويكون الغضب حينئذ تاكيدا للنجيع أتى به للقافية، ولأن النجيع يخضب عند الغضب، فكأنه جعل النجيع والغضب شيئا واحدا.
ومن التي أولها:
أيَدرِي ما أرابَكَ مَنْ يُرِيبُ ... وهل تَرقَى إلى الفَلَكِ الخُطُوبُ
قال ابن فورجة: قد سمعت جماعة من متكلفي الأدباء يفسرون هذا البيت، فيقولون من يريب: يريد به الله تعالى وهذا كلام إلحاد وإقدام على إثم عظيم، يريد هل يدري الذي أرابك بهذا الدمل. ما الذي أرابك حقارة، وصغر قدر، وهذا خطأ فاحش، ودعوى على هذا الفاضل قد برأه الله منها، والذي أراده أبو الطيب، أيدري ما أرابك وهو الدمل.) ما (لما لا يعقل. وهي فاعلة أيدري. ومن يريب يريد من يريبه من الناس، ولم يأت بالهاء لأن المعنى مفهوم، ويريد بهذا الكلام هل يعلم هذا الدمل بمن حل ومن الذي راب ثم قال:) وهل ترقى إلى الفلك الخطوب (أي أنت كالفلك بعدا عن الآفات وعلوا في الأشكال.
إذا دَاءٌ هَفا بُقراطُ عَنْهُ ... فَلَمْ يوجد لصَاحِبِهِ ضَرِيبُ