مَضَى اللَّيْلُ والفَضْلُ الذي لَكَ لا يَمْضِي
عَلى أنَّنِي طُوِّقْتُ مِنْكَ بِنِعْمَةٍ ... شَهِيدُ بها بَعْضِي لغَيْري على بَعضِي
قال ابن جني: المعروف أن يقال رأيت بالعين رؤية، ورأيت في منامي رؤيا وقوله) شهيد بها بعضي لغيري على بعضي (فبعضه الشاهد لشأنه أي يقول لساني هذا نعمة سيف الدولة. وأثار إحسانه فيشهد على بقية بدنه.
[حرف العين]
ومن التي أولها:
غَيري بأكْثَر هَذَا القَوْلِ يَنْخَدِعُ
ومَا الحَياةُ وَنَفْسي بَعْدَ ما عَلِمَتْ ... أنَّ الحّياةَ كَما لا تَشْتَهِي طَبَعُ
قال ابن جني: الطبع الدنس، ونفسي في موضع رفع عطفاً على الحياة، ومعناه مع الحياة كما تقول ما أنت وزيداً أي ما زيد وأنشد سيبويه:
يا زِبْرِقانُ أخابَنِي خَلَفٍ ... ما أنت وَيْبَ أبيكَ والفَخْرُ
أي إذا كانت الحياة هكذا فما تصنع نفسي بالحياة.
للَّسَّبْي ما نَكَحُوا والقَتْلِ ما وَلَدُوا ... والنَّهْبِ ما جَمَعوا والنَّارِ مَا زَرَعُوا
قال ابن جني: عطف في هذا البيت على عاملين مختلفين، وذلك أنه عطف) القتل (على) السبي (وهو مجرور باللام، وعطف) ما (الثانية على) ما (الأولى، فقد عطف إذن على اللام وعلى الابتداء، ومن رفع ما نكحوا باللام في السبي فلا عطف في قوله على عاملين، لأن الذي جر السبي هو الذي رفع) ما (على هذا القول.
وقال ابن فورجة: أوقع) ما (على من يعقل في قوله) ما نكحوا وما ولدوا (على تأويلات ثلاثة أحدها: أن يكون غرضه أنهم أغنام غير ذوي عقول كالبهائم فاستعمل لهم) ما (لأنها لما لا يعقل. والثاني: أن يكون على لغة من يقول: سبحان ما سبح الرعد بحمده يريد من سبح حكاها أبو زيد عن أهل الحجاز والثالث: أن يكون أوقع ما على المصدر فكأنه قال للسبي نكاحهم وللقتل ولادتهم. وقيل في قول الله تعالى:) والسماء وما بناها. والأرض وما طحاها. ونفس وما سواها (، وقوله تعالى:) وما خلق الذكر والأنثى (، أن) ما (مقامة مقام المصدر كأنه يقول والسماء وبنائها والأرض وطحوها ونفس وتسويتها، وكذلك أقسم لخلق الذكر والأنثى وقيل أيضاً إن) ما (مقامة مقام من على لغة أهل الحجاز، حكى ذلك أبو إسحاق الزجاج، وقوله) للقتل ما ولدوا (قد يتعرض عليه فيقال: إنما يقتل الرجال ومن بلغ الحلم فأما من ولدوا فيعني بهم الصغار منهم وهم بالسبي أولى، فالجواب أن الرجال أيضاً ومن أتت السن عليه ليس خلوا أن يكونوا مولودين فلما تقدم في اللفظة الأولى السبي لم يجد بداً أن يقول ذلك، وقد استعمل من في موضع ما في قوله:
إنْ كانَ لا يَسْعَى لَجُودٍ ماجِدُ ... إلاَّ كَذَا فالغَيْثُ أبْخلَ مَنْ سَعَى
وهذا محمول على التأويل، لأنه أراد أبخل الساعين، وجعل الغيث ماجداً سعى بجود والعرب إذا وصفت الشيء بصفة غيره استعارت له ألفاظه، وأجرته مجراه في العبارة، كقوله تعالى) والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين (. وأنشد القاضي الجرجاني بيتاً زعم أنه سمعه من ثقة وهو:
متى نَوَّهْتَ في الهَيجاء باسِمي ... أتَاكَ السَّيفُ أوَّلَ مَنْ يَجيِبُ
مُخْلىً له المَرْجُ مَنْصُوباً بِصَارِخَةٍ ... لَهُ المَنَابِرُ مَشْهُوداً بها الجُمَعُ
قال ابني جني: نصب) مخلى ومنصوباً (على الحال من سيف الدولة) ومشهوداً بها الجمع (نصب على الحال من صارخة، وهي مدينة أو قلعة ببلد الروم، وكان الوجه أن يقول: شهوده ومنصوبة إلا أن التذكير جائز أيضاً على قولك نصب المنابر وشهد الجُمَع ومن أبيات الكتاب:
بَعيدُ الغَزَاةِ فما ابن يَزا ... لُ مُضْطَمِراً طُرَّتاه طَلِيحَا
ولم يقل مضطمرة وهو كثير.
قال ابن فورجة: الإعراب ما ذكره لا ريب فيه، والمعنى أن هذين الموضعين أعني المرج وصارخة متوغلتان في بلاد الروم، وأنهما إذا أخليتا لسيف الدولة ونصبت المنابر بهما وشهدت الجمع فلم يبق في النكاية في الكفر نهاية. ومثل هذا المغزى قول النسيج أبي العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان يصف خيل رجل مدحه:
بَناتِ الخَيلِ تَعْرِفُها دَلُوكُ ... وصَارِخةُ وآلُسُ والّلَّقانُ