قال ابن جني: يقول أفضى به تقدمه وجرأته إلى نيل الشرف، فما الذي نال أعداؤه لما توقوا ما أتاه، وأشفقوا على أنفسهم منه، أي فقد غنم بما فعل وخابوا لما خالفوه.
ومن التي أولها: أثْلِثْ فَإنّا أيُّها الطَّلَلُ نَبكِي وَتْرْزِمُ تَحْتَنا الإبلُ قال الاحسائي: أي كن لنا ثالثا يقال: ثلث القوم أثلثهم إذا صرت لهم الثا، وخمستهم أخمسهم، وسدستهم أسدسهم إلى العشرة، تكسر الثالث في المستقبل، إلا في ثلاثة مواضع فإنه يفتح، وهي أربعهم وأسبعهم وأتسعهم وثلثت القوم أثلثهم إذا أخذت ثلث أموالهم، بضم ثالثة في المستقبل من الثلاثة إلى العشرة، فإن أخذت نصف أموالهم قلت نصفتهم أنصفهم، وكذلك الخدمة ومن الإنصاف نصفهم وأنصفتهم أنصفهم.
تمشي عَلَى أيْدي مَوَهِبِهِ ... هِيَ أوْ بَقَيَّتُها أو البَدَلُ
قال ابن جني: أي تلي مواهبه أمر خيله وإبله، فلان على يدي عدل، أي قد ملك أمره عليه، وصار أحق به منه، وقوله) هي (يعني الخيل والإبل وما تبقى منها بعدما وهبه لقوم آخرين، أو البدل منها عينا وورقا أو غير ذلك.
وقال الشيخ رحمه الله: يقول الذي تأخذه الوفود من خيله وإبله على ثلاثة أصناف، فإما أن تكون موفورة، فهي تسلم إليهم، وإما أن تكون قد بقيت منها بقية منهم المحكمون فيها، أو قد وهبها كلها واستبدل غيرها منهم يأخذون البدل.
فإذا الخميسُ أَبى السُّجُودَ لَهُ ... سَجَدَتْ لَهُ فيهِ القَنَا الُّبُلُ
قال ابن جني: أي إذا عصاه جيش خفض الأسنة لطعنه وقوله) فيه (أي سجدت قنا أبي شجاع في جيش مخالفه.
ومن التي أولها:
ما أجْدَرَ الأيّامَ والليالي ... بأنْ تَقُولَ ما لَهُ ومَالِي
لا أنْ يكُونَ هكذا مَقالِي قال ابن فورجة: يقول الأيام تتظلم مني: وأنا لا أتظلم منها، والهاء في) ماله (يكون لأبي الطيب، والياء في) مالي (للأيام، ثم قال لا أن أقول أنا ما لها ومالي، لأني أبالي بها ولا أتظلم منها ألا تراه يقول:
وكيفَ لا وإنّما إدْلالِي ... بفارسِ المجْروُحِ والشَمالِ
وهما كانا لعضد الدولة، يقول: فإذا كنت مدلا بعضد الدولة ثم أتظلم من الزمان ولم يقدر على هضمي وقوله) مالي (قول المتظلم، ألا ترى إلى سحيم يقول:
ألاَ نَادِ في آثارِهنَ الغَوانِيا ... سُقِينَ سِماماً ما لَهُنً ومالِيا
وإلى قول الآخر يقول:
يا قوم مالي وأبا ذُؤيبِ ... كنتُ إذا أتيتُه عن غَيبِ
يَشُمُّ عِطْفِي وَيَمسُّ ثَوْبِي ... كأنّما أرَبتُه بريبِ
والبحتري يقول:
مَالِي وللأيَامِ صَرّفَ صَرفُها ... حَالِي وأكثرَ في البلادِ تَقَلُّبي
وقد ترك من اللفظ شيئا يدل عليه الكلام، وذاك أنه يريد أن يكون هكذا مقالي لها، لأنك لا تقول ما أجدر زيدا أن يمر عمرو حتى يقول به، فتكون الجملة الثانية عائدة إلى الجملة الأولى.
[حرف الميم]
ومن التي أولها:
وَفاؤُكُما كالرَّبْع أشْجاهُ طاسِمُهْ ... بأنْ تُسْعدا وَالدَّمْعُ أشْفاهُ ساجمه
قال ابن جني: كلمته وقت القراءة في إعراب هذا البيت، فقلت له الباء في) بأن (بأي شيء تتعلق؟ فقال: بالمصدر الذي هو) وفاؤكما (فقلت له: فيم رفعت) وفاؤكما (؟ فقال: بالابتداء. فقلت: فأين خبره؟ فقال) كالربع (فقلت: له هل يصح أن يخبر عن اسم قبل تمامه وقد بقيت منه وهي الباء؟ فقال: هذا لا أدري ما هو إلا أنه قد جاء في الشعر له نظائر. وأنشدني بيتا أنشده أبو الحسن الأخفش، وهو:
لَيستْ كَمَنْ حَلَّتْ إيادٍ دارها ... تكريتَ تَرقبُ حَبّه أنْ يحُصَدَا