فأبدل إيادا من) مَنْ (في قوله) من حلت (ومعناه لسنا كمن حلت دارها إياد، أي كأياد التي حلت دارها، فدارها الآن ليست منصوبة) بحلتْ (هذه. وإنْ كان المعنى يقتضي ذلك، لأنه لا يبدل من الاسم إلا من تمامه، وإنما هي منصوبة بفعل مضمر يدل عليه) حلتْ (هذه الظاهرة، كأنه قال فيما بعد حلت دارها، وكذلك العطف والتوكيد وجمع ما يؤذن بتمام الاسم وانقضائه، ألا ترى أنهم لا يجيزون مررت بالضارب أخيك زيدا على أن تبدل الأخ من الضارب، وقد بقيت منه بقية وهي زيد لأنه منصوب بالضارب، ولا يجيزون مررت بالضارب وزيد عمرا، لأنك لا تعطف عليه وقد بقيت منه بقية، وكذلك لا يجيزون أن تعلق الباء في) بأن تسعدا (بالوفاء، وقد أخبرت عنه بقولك كالربع، فإذا لم يجز ذلك كانت الباء) بأن (متعلقة بفعل محذوف يدل عليه قوله) وفاؤكما (فكأنه لما قال) وفاؤكما كالربع (قال) وفيتما بأن تسعدا (وإن لم يقدره هذا التقدير فسد الإعراب وكذلك قوله تعالى) إنه على رجعه لقادر. يوم تبلى السرائر (معناه والله أعلم إنه على رجعه يوم تبلى السرائر لقادر، إلا أنه لا يجوز أن يكون إعرابه الآن على هذا، لأن الظرف الذي هو يوم تبلى السرائر على هذا التقدير يكون متعلقا بالرجوع وقد فصل بينهما بقوله) لقادر (، وهو خبر إن وهو أجنبي من المصدر، ولا يجوز على الفصل بين الصلة والموصول بالأجنبي) وأشجاه (أي اشده شجةا، كما تقول أحزنه وآسفه، ومعنى البيت كنت أبكي الربع وحده فصرت أبكي وفاء كمامعه، أي كلما ازددت بالربع وبوفائكما وقوله أشجاه طاسمه أي كلما تقادم عهده أحزن كما قال زهير:
وَقَفْتُ بها مِنْ بَعد عِشْرِينَ حِجَّةً ... فَلاياً عَرَفْتُ الدَّارَ بعدَ تَوَهُّمِ
فكأنه كلما خفيت الآثار، واضمحلت الرسوم، زاد شجوه وبكاؤه، وهذه طريق معروفة، وقد تصف العرب الرسم ببقائه، لأنه حينئذ أدل على ساكنه وأقرب إلى تذكره، كما قال أبو صخر الهذلي:
كأنهما مِلآن لَمْ يَتَغِيرا ... وقد مَرَّ للدَّارَيْنِ من بَعْدِنَا عَصْرُ
وما منهما إلا له نظائر كثيرة.
وقال الشيخ أبو العلاء رحمه الله: قوله) بأن تسعدا (متعلق بقوله) وفاؤكما (إلا أنه فصل بينه وبين الكلام الأول بقوله) كالربع أشجاه طاسمه (وينبغي أن يكون أضمر قوله) وفاؤكما (بعد تمام النصف الأول، ليكون الموصول متعلقا بالصفة، والشعراء وغيرهم يقولون: إن البكاء يجلو بعض الهم عن المحزون والمكروب قال الفرزدق:
ألمْ تَرَ أنّي يَومَ جَوّ سُوَبْقَةٍ ... بَكَيْتُ فنَادتِني هُنيدَةُ مَاليا
فَقُلْتُ لها إنَّ البكاءَ لراحَةٌ ... به يَشْتفي مَنْ ظَنَّ أنْ لا تَلاقِيا
وقال ذو الرمة:
لعلَّ انحِدَارَ الدَّمعِ يُعْقِبُ رَاحَةً ... مِن الوَجْدِ أو يَشفي نَجِيَّ البَلابَلِ
وشبه وفاء صاحبيه بالربع أشجى ما يكون إذا درس، وكأنه لا مهما على أنهما لم يسعداه، وبعض الناس يذهب إلى أنه أراد مخاطبة عينيه، وكلامه يدل على غير ذلك، والمراد أنه بكى ولم يبك صاحباه، ولو بكيا معه لكان ذلك زائدا في بكائه) وأشجاه (هاهنا اسم فيه معنى التفصيل.
وما أنا إلاَّ عاشِقٌ كُلُّ عاشِقٍ ... أعَقُّ خليلَهِ الصفِيَّينِ لائِمُهْ
قال ابن جني: انقطع الكلام على قوله) وما أنا إلا عاشق (، ثم استأنف فقال: كل عاشق من حاله ومن أمره كأنه ينهى صاحبه عن لومه، وفي قوله) أعق خليليه الصفين لائمة (شبهه يسأل عنها فيقال: لا يقال أعق الرجلين زيد حتى يشتركا في صفة العقوق، ثم يزيد زيد على صاحبه، فإذا حكم لهما بأنهما صفتان فأي عقوق هناك؟ والجواب أنه يريد أنه إذا كان له خليلان صفيان، ثم لامه أحدهما، فقد زال عنه وصف الصفاء، وحصل له وصف العقوق بلومه إياه، كما قال الله تعالى) أصحاب الجنة خير مستقرا وأحسن مقيلا (. ومعلوم أن أصحاب النار هم أصحاب الشر ولا خير في مستقرهم البتة، فقد علمت بهذا أنهما لم يشتركا في الخيرية فهذا نظير ذاك.
وقال الشيخ أبو العلاء: قوله) أعق خليليه (دليل على أنه أراد الصاحبين لا العينين.
وَقَدْ يَتَزَيَّا بالَهوىَ غَيْرُ أهلِهِ ... وَيَسْتَْحِب الإنسانُ منْ لا يُلائمه