قوله) بأن سب منهم غلام (أي شتم وسب في القافية، بمعنى القطع كذلك ذكر ابن دريد، ودق يجوز أن يكون سب في القافية في معنى الشتم، كأنه لما سب جعل جزاء سبه أن عقر إبله، فأعلمهم أنهم لا يقدرون على مثل ما فعل، فكأنه شتمهم ويروي حدد وعدد.
يا عَضُدَ الدَّولَةِ مَنْ رَكنُها ... أبوهُ والقَلبُ أبُو لُبِّهِ
قال ابن جني: اللب العقل، والعقل زين القلب، فكذلك أنت زين أبيك كأنه فضله على أبيه.
وَمَنْ بَنُوهُ زَينُ آبائِهِ ... كأنَّها النَّورُ على قُضبِهِ
قال أبو الفتح: أي أبناؤك زين آبائك، لأنهم يدنون بكرمهم عليهم، ولم يجعل أولاده زينا له كما جعله هو زين أبيه، لما ذكرت قبل من أنه فضله عليه ولأجل هذه اللطائف التي تأتي في شعره قال:
لا تَجسُرُ الفُصَحاءُ تُشِيدُ هَاهنا ... بَيتَاً ولكِنّي الهِزَبرُ الباسِلُ
ومن التي أولها: لَحَا اللهُ وَردَاناً وأمّاً أتَت بِهِ
أهَذَ اللَّذّيَّا بنتُ وَردَانَ بِنتُهُ ... هُمَا الطَّالِبانِ الرَزقَ مِن شرِّ مَطلَبِ
قال ابن جني: اللذيا تصغير الذي، يستفهم فيقول أهذا الذي ينسب إليه الحشرة الدنية، يقول فهي وهو يطلبان الرزق من شر مطلب، لأنها تطلبه من المخازي، وهو يطلبه من هن عرسه، يظهر تجاهلا بالأمر وهزءا به.
قال أبو العلاء: معنى هذا البيت أنه أراد تشبيه بيت الرجل الذي هو وردان بالدويبة التي يقال بنت وردان، وهي تكون في مواضع الوسخ المكروه وهذا أشبه من المعنى الأول.
[حرف التاء]
سِربٌ مَحَاسِنُه حُرِمتُ ذَوَاتِهَا ... دَانِي الصِّفاتِ بَعيدُ مَوصُوفاتِها
قال أبو الفتح كنى بالسرب عن النساء يقول: هواي سرب حرمت ذوات محاسنها أي صواحب محاسنه، وذوات محاسن السرب هذا السرب فكأنه قال هواي سرب حرمته، أي حيل بيني وبينه، وداني الصفات لأن الوصف قول وهو قادر عليه متى أراده، إلا أن الموصوف بهذه الصفة وهو السرب بعيد مني.
وفي هذا البيت شيء من الإعراب لطيف المذهب منع سيبويه منه البتة وهو إضافة) ذو وأخواتها (إلى المضمر لأنه لا يجيز) هذا رجل ضرب ذاه (.
قال أبو العلاء: أما قول سيبويه في أن) ذو (لا تضاف إلى الضمير، فعلى ذلك ورد مسموع كلامهم، وإنما امتنع في الإضافة لأن) ذو (كناية عن شيء والهاء كناية، فكره الجمع بين كنايتين، وقوى ذلك أن) ذو (كلمة ناقصة لا قوة لها فتحتمل أن تضاف إلى الضمير، فإذا دخلها الجمع والتثنية قويت بذلك لأن حروفها تزيد، فقوله ذواتها يزيد في القوة على قولهم) هذا ذوه (. وقد أضاف كعب بن زهير فيما روي ذوي إلى الهاء وهي أضعف من ذوات لأنها أقل حروفا منها وذلك قوله:
صحبنا الخَزرَجِيَّةَ مُرهَفاتٍ ... أبَادَ ذَوِي أُرومِيَتها ذَوُوها
وقال أبو علي كأنه لاحظ قول القائل:
فَقلتْ لأصحَابِي هي الشَّمسُ ضَوءُها ... قَرِيبٌ ولكنْ في تَناوُلَها بُعدُ
وقد ألم هذا المعنى إلا أنه غيره إلى باب آخر الشيخ أبو العلاء أحمد بن عبد الله ابن سليمان المعري، أنشد فيه لنفسه:
قَد يَبعُدُ الشَّيءُ من شَيءٍ يُشَابِهُهُ ... إنَّ السماءَ نَظيرُ المَاءِ في الزَّرقِ
وَمقانِنٍ بمقَانِبٍ غادَرتُهُا ... أقوَاتَ وَحشٍ كُنَّ مِنْ أقَوَاتِها
قال أبو العلاء: يعني أنه قتلهم فأكلتهم الوحوش كالأسد، والنمور، والذئاب والضياع، وكان هؤلاء القوم يصيدون هذه الوحوش فيأكلونها، كأنه يصفهم بالنجدة والشدة وأنهم كانوا يأكلون هذه الأجناس التي لم تجر العداة بأكلها.
أقبَلتُها غُرَرَ الجِيادِ كأنَّما ... أيدِي بَنِي عِمرَانَ في جَبَهاتِها
قال ابن جني: أقبلتها أي حملتها عليها وكلفتها لقاءها وما أحسن ما خلط الخروج بالتشبيه.
وقال ابن فورجة: أقبلتها الخيل أي أقبلت بها إليها، وسيرتها مستقبلة لها كما قال الشاعر:
يمشينَ مشيَ الهجان الأُدمِ أقبلها ... خلّ الكوود هدان غير مهتاجِ
وعنى بالأيدي هنا النعم، من قولهم لفلان عندي يد بيضاء، وقد جرت العادة في جمع يد النعمة بالأيادي وهي جمع الجمع، وفي يد الأعضاء بالأيدي، وقد إستعمل أبو الطيب هذه في مكان تلك فقال: فُتلِ الأيادِي رَبِذاتِ الأرجُلِ وقد جاء ذلك عن العرب في كثير من أشعارها فمنها قول عدي: