أمَا وهَوَاكِ حلفَةَ ذي اجتِهَادِ
أنا ابنُ مَنْ بَعْضُهُ يَفُوقُ أبا ال ... باحِثِ والنَّجْلُ بْعضُ مَن نَجَلَه
قال ابن فورجة: بمثل هذا فليتغلب الخصوم عند الجدال. فلقد احتج لقصور أبويه فما قصر، يقول أنا بعض والدي، لأني منه وجدت، وأنا فوقك أيها الباحث عن أبوتي فضلا وكرما وبأسا، فإذا والدي فوق أبيك كثيرا لأنه قد فضله بعضه، وقد استوعب المعنى بقوله) أنا أبن من بعضه يفوق أبا الباحث (وباقي البيت فضل وتبيين، وزاد هذه الحجة قوة على خصمه بقوله بعده:
وإنَّما يَذْكُرُ الجُدُود لَهُمْ ... مَنْ نَفَرُوهُ وأنْفَذُوا حِيَلَهْ
يقول أنا لا أفاخركم إلا بنفسي، وإنما يفتقر إلى المفاخرة بالآباء من لا فخر في نفسه.
أأخْفَتِ العَينُ عِنْدَهُ خَبَراً ... أمْ بَلَغَ الكَيْذَبَانُ ما أمَلَهْ
قال ابن جني: يعني بالعين الرقيب قال الشاعر:
قَالُوا تَوقَّ دِيارَ الحَيّ إنَّ لهم ... عَيناً عليك إذا ما نمتَ لم تنمِ
فقلتُ إنَّ دَمي أقصى مُرادِهم ... وما غَلتْ نَظرةُ منها بسَفكِ دَمي
وأنثها لأنه شبه الرقيب بالعين، ويجوز أن يكون أراد العين نفسها فيكون معناه هل يتبين في وجهي ما رابه.
وقال الشيخ رحمه الله: هذا الاستفهام الذي يقلب الكلام حتى يجعله كالنفي فكأن الشاعر قال: ما لي لا أمدح الحسين، ولم تخف العين عنده خبرا، ولم يبلغ الكيذبان ما أمله لديه، أي أني إذا نظرت إلى الممدوح علمت أنه راض عني، فتبينت عيني ما هو عليه، ويجوز أن تكون العين عين الممدوح وكلا المعنيين قد جاء في الشعر قال الشاعر:
تُبينُ لي عَيْنَاكِ ما القَلْبُ كاِتمٌ ... ولا جَنَّ بالبَغْضاءِ والنَّظرِ الشَّزْرِ
والكيذبان في معنى الكذاب يقال بفتح الذال وضمها.
فأَكبَرُوا فِعْلَهُ وأصْغَرَهُ ... أكبَرُ مِنْ فِعْلِه الَّذِي فَعَلَهْ
قال ابن جني: أي استكبروا فعله وأصغره هو، فتم الكلام هاهنا، ثم استأنف فقال: أكبر من فعله الإنسان الذي فعله، إنما هو أكبر من فعله، ويقال أكبر الشيء إذا استكبرته.
وقال الشيخ: النصف الأول يحتمل وجهين، الأول: أن يكون في أصغر ضمير عائد إلى الممدوح، فيكون الكلام قد تم ويكون تكبر خبر مبتدأ مقدم، كأنه لما تم الكلام في النصف الأول الذي فعله أكبر من فعله.
والوجه الآخر: أن يكون " أكبر " فاعلا، وتقديره احتقر الفعل رجل أكبر من فعله ويكون قوله: " الذي فعله " نعتا لفعله.
ومن التي أولها: كَدعْوَاكِ كلُّ يَدَّعي صِحَّةَ العَقْلِ قوله:
قَوَلَّتْ تُرِيغُ الغَيْثَ والغَيْثَ خَلَّفَتْ ... وتطلُبُ ما قَدْ في اليدِ بالرّجْلِ
قال ابن فورجة: هؤلاء بنو كلاب أظهروا العصان بعد الطاعة فقصدهم دلير بن لشكروز فأجفلوا من بين يديه عائدين إلى البدو فقال أبو الطيب:
أرَادَتْ كِلابُ أنْ تَقُومَ بَدَوْلَةٍ ... لمنْ تَرَكَتْ رَعْي الشُّوَيْهاتِ والإبْلِ
أبَى رَبُّها أنْ يترُكَ الوَحْشَ وَحْدَها ... وأنْ يُرمِنَ الذَّبَّ الخَبيثَ من الأكُلِ
يقول كانت طاعة السلطان غيثا فتركته وعصته ومضت تطلب مواقع الغيث في البدو، وطلبها له سائرة إليه طلب بالرجل وقوله: ما كان في اليد، أي ما كان حاصلا، كقولك: هذا الشيء في يدي أي حاصل عندي
فَلا عَدِمَتْ أرْضُ العِرَاقَينِ فِتْنَةً ... دَعَتْكَ إليها كاشِفَ الخَوْفِ والمَحْلِ
قال الشيخ رحمه الله: العراقان يراد بهما الكوفة والبصرة، وهما مصران وقالوا للجزيرة والموصل الموصلان، وهو من جنس قولهم العمران وكاشف الخوف والمحل يحتمل أن يكون منصوبا على النداء أو الحال.
ومن التي أولها: لا خَيْلَ عِنْدَكَ تُهِديها ولاَ مَالُ قوله:
غَيْثٌ بُبَيَنُ للنُّظَّارِ مَوْقِعَهُ ... إنَّ الغُيُوثَ بما تأتيهِ جُهَّالُ
قال ابن جني: أي الغيث يمطر المكان الطيب والسبخ جميعا، فهو كالجهل منه، وفاتك يعطي من هو أهل العطاء، وهذا ضد قوله في معاتبة سيف الدولة:
وَشَرُّما قَنَصَتْهُ راحَتِي قَنَصٌ ... شُهْبُ البزَاةِ سَوَاءٌ فيه والرَّخَمُ
أنالَهُ الشرَّفَ الأعْلى تَقَدُّمُهُ ... فَما الذي بِتَوّقي ما أتى نَالُوا