قال الشيخ: الناس يختلفون في إنشاد هذا البيت. وأصح ما يقال إذا داء. أي هذا داء. ويكون الألف للتقرير أو للاستفهام الخالص، كأنه لما ذكروا سيف الدولة وأنه حب الحرب وشوقه إليها. قال هذا الداء لم يعرفه بقراط، فأما من يروي: إذا داء فلا وجه له، على أنه يؤدي انفراد سيف الدولة بهذا الداء. إذا جعلت الفاء جوابا لإذا. والذين رووا:) أذى داء (أقرب إلى الإصابة؛ لأنه يحمل على أنه أراد أذى داء، ويجوز يقول أصحاب هذه الرواية: أن الهمزة للنداء، والمعنى يا ذا داء أي: أنت سيف الدولة صاحب هذا الداء.
وقال ابن فورجة: وغلط الشيخ أبو الفتح في تفسير هذا البيت. وزعم أنه سمعه من أبي الطيب قال رحمه الله: جواب إذا) فلم يوجد (أي: فليس يوجد لصاحبه شبيه. كذا قال لي وقت القراءة عليه. واستعمال لم في موضع ليس لمضارعتها إياها، ثم تكلم في قوله داء بالرفع. وأنه بالنصب أجود لأن) إذا (تطلب الفعل، وهذا كقولك) إذا زيدا مررت به فأكرمه (فكان يكون تقديره، إذا أهمل وأغفل بقراط داء. وقد رفع فكأنه قال إذا أعضل داء. وأفنى في هذا الكلام عدة صفحات من كتابه، وهب أنا سلمنا له هذا التعسف. وقلنا أن) لم (بمعنى) ليس (فهل يحسن أن يجعل سيف الدولة صاحب الداء، يريد به صاحب دوائه والعالم بطبه، وهل يقول زيد صاحب الاستسقاء، أي صاحب مداواته، بل يفهم هنا أن زيدا به استسقاء، إلا أن يتقدم كلام يفهم هذا.
والذي أراد أبو الطيب أن بعيد ما طلبت قريب، إذا هفا بقراط عن داء. فلم يوجد عليل به، تلك العلة ففي تلك الحال بعيد ما تطلبه قريب، ويعني بالداء أدواء الزمان، والحروب والأعداء.
ومن التي أولها:
بغيرك راعياً عَبَث الذِّئابُ ... وَغَيرَكَ صَارِماً ثَلَمَ الضِّرَابُ
قال الشيخ: يجوز نصب راع وصارم على التمييز وعلى الحال.
ولَو غَيرُ الأميرِ غَزَا كِلاباً ... ثَناه عن شُمُوسِهِمُ ضَبابُ
قال الشيخ: لما كانت المرأة تشبه بالشمس، جعل نساء القوم شموسا وجعل دونها من حمايتهم ضبابا، وأصل ذلك أن المرأة يقال لها كأنها الشمس ثم يحذف حرف التشبيه قال قيس بن الخطيم:
فرَأيتُ مثلَ الشَّمسِ عندَ ذُروِّهَا ... في الحُسنِ أو كَدُنُوِّها لِغُرُوبِ
وقال آخر فحذف حرف التشبيه:
من الشمسين شمس بني عقيل ... إذا حضرت وشمس بني هلال
ولاَقى دُون ثأيِهِمُ طِعاناً ... يُلاقِي عندَهُ الذَئْبَ الغُرَابُ
قال الشيخ: الثأي جمع ثأية، وهو مراح الإبل، إذا كانت عازبة. ويقال: أنه يتخذ من الشجر، وقوله:) يلاقي عنده الذئب الغراب (أي: يجتمعان على أكل القتلى، وبعض الناس يذهب إلى أن الذئب لا يأكل إلا ما يفترسه، وأنه لا يجري مجرى الضباع والكلاب. وعلى ذلك فسروا قول الشاعر:
ولكُلِّ سَيَدِ مَعشَرٍ من قَومِهِ ... دَعَرٌ بِدنِّس مجده ويعيبُ
لولا سِوَاهُ لجردت أوصَالَهُ ... عُرجُ الضّبِاعِ وَصَدَّ عنهُ الذِّيبُ
ومن التي أولها: يا أُختَ خَير أخٍ يا بنتَ خَيرِ أبِ
جَزَاكَ رَبُّكَ بالأحزَانِ مَغفِرَةً ... فحُزنُ كلِّ أخي حُزنٍ أخو الغَضَبِ
قال ابن فورجة: يقول: جزاك الله مغفرة بهذا الحزن الذي أصابك، فقد أثمت به، قال الله تعالى) لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم (والحزن أخو الغضب، لأسباب كثيرة. فمنها أن الحزن غضب في الحقيقة، لأنه يغضب لما نال منه الدهر فيحزن، ومنها أن الرجل يأثم بالحزن ويأثم بالغضب، قال الله تعالى:) والكاظمين (. ومنها أن الحزن ينال من الإنسان، ويخلط عليه، كما أن الغضب ينال منه ويخلط عليه أمره، وقد دل على ذلك بقوله في عضد الدولة:
آخِرُ ما المَلكُ مُعَزّىً بِه ... هَذَا الَّذي أثَّرَ في قَلبِهِ
لا جَزَعاً بَلْ أنَفاً شابَهُ ... أن يَقدِرَ الدَّهرُ على غَصبِهِ
ألا تراه قرن بينهما، وجعل تأثيره في قلبه، لا الجزع والحزن، ولكن للغضب والأنف والحمية، وقد فسر بذلك بقوله بعده:
وأنتُمُ مَعشَرٌ تَسخُو نُفُوسُكُم ... بِمَا يَهَبنَ ولا يَسخُون بالسِّلَبِ
ومن التي أولها: فَهِمتُ الكِتابَ أبَرَّ الكُتُبْ
وَقَد كانَ يَنصُرُهُمْ سَمعُهُ ... ويَنصُرُني قَلبُهُ والحَسَبْ