قال ابن جني: معنى البيت ليس خليل إلا نفسك فلا تلتف إلى قول أحد: إني خليل لك. ويجوز أن يكون المعنى، ما الخل إلا من فرق بيني وبينه، فإذا وددت فكأني بقلبه أود وإذا رأيت فكأني بطرفة أرى. إنما يستحق أن يسمى خلا من كان منك بهذه المثابة
إن المعين على الصبابة بالأسى ... أولى برحمة ربها وإخائهِ
قال ابن جني: كأنه قال: إن المعين على الصب بالأسى وهو الحزن أولى بأن يرحمه ويكون أخاه إما لأنه هو الذي جنى عليه ما جنى وإما لأنه أعرف الناس بدوائه وأطبهم بدائه. ويجوز أن يكون قوله:) على الصبابة (. أي: مع ما أنا فيه من الصبابة يكون المعنى في هذا أي: لا معونة إلا إيراده علي الأسى والحزن. فيجري مجرى قولك: عتابك السيف. وحديثك الصمم أي لا عتاب عندك إلا السيف.
وقال الشيخ أبو العلاء: يقول الذي يعين على الصبابة بالأسى أي الحزن أولى برحمة ربها: أي كان ينبغي أن لا يفعل ذلك. كأنه جعل عذله إياه زيادة في حزنه ويجوز أن يعني أنك يا عذول كان ينبغي أن تحزن بحزني كما يقال للرجل إذا منع صديقه شياً: إن الذي يعين خليله بالمال وقضاء الحاجة هو الذي يستحق أن يسمى خليلاً ومؤاخياً.
وقد روت) الأسى (بضم الهمزة. من أسيت الحزين أي عزته. والمعنى إن الذي يقول لك أسوة بفلان وفلان أولى بأن يكون خليلاً ناصحاً.
عجبَ الوشاةُ منَ اللحاق وقولهم ... دع ما نراك ضعفتَ عن إخفائهِ
قال ابن جني: المعنى إنه ليس حوله إلا واش أو لاحٍ. فعجب الوشاة من تكليف اللحاق له بما لا يستطيعه لأنه إذا ضعف عن إخفائه فهو عن تركه أضعف. والواشي: لذي ينمق الكذب. واللاحي: الذي يزجر ويغلظ القول
مهلا فإن العذل من أسقامه ... وترفقاً فالسمع من أعضائهِ
قال أبو العلاء: هذا مجاز واتساع، لان السمع ليس من الأعضاء، ولكنه يحمل على أنه أراد موضوع السمع من أعضاءه؛ أي الأذن.
ومن التي أولها:
أتنكر يا ابن إسحاق إخائي
أأنطق فيك هجراً بعد علمي ... بأنك خير من تحت السماءِ
قال الشيخ رحمه الله: الهجر: مالا ينبغي من القول. يقال: أهجر الرجل إذا جاء بالهجر قال الشماخ:
كما جدة الأعراقِ قال ابن ضرةٍ ... عليها كلاماً جار فيه وهَجَّرا
وهجر الرجل بمعنى هذى ومنه قوله تعالى:) سامرا تهجرون (أي: تهذون وقيل: من الهجر الذي هو القطيعة أي تهجرون سامراً لا تحضرونه.
وتنكر موتهم وأنا سهيلٌ ... طلعتُ بموتِ أولادِ الزناءِ
قال الشيخ رحمه الله: إثبات الألف في أنا عند بعض الناس ضرورة لأن هذه الألف لا تثبت إلا في الموقف. وكان محمد بن يزيد يتشدد في ذلك ولا يجيزه. وقد جاء في مواضع كثيرة من ذلك قول الأعشى:
فكيف أنا وانتحالي القواف ... ي بعد المشيبِ كفى ذاك عارا
وقول حميد بن بحدل:
أنا زين العشيرة فاعرفوني ... حميداً قد تذريت السناما
والزنا تمد وتقصر. وجاء في كتاب الله عز وجل مقصوراً. وكأنه إذا مد مصدر زاني يزني قال الشاعر:
أبا حاضرٍ من يزن يعرف زناؤه ... ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكراً
ومن التي أولها:
أمن ازدياد في الدجى الرقباءُ ... إذ حيث كنت من الظلام ضياءُ
قال ابن جني: أي لا يقدر أحد على زيارتك ولا تقدرين على زيارة أحد ليلاً لأن ضوء وجهك ينم عليك.
قلق المليحة وهي مسك هتكها ... ومسيرها في الليل وهي ذكاءُ
قال أبو علي ابن فورجة: قلقها: يعني حركتها في مشيها. وهتكها مصدر هتك فلان الستر هتكاً وهو مصدر فعل متعدٍ. ولو أتى بمصدر لازم كان أقرب إلى الفهم. كأنه لو قال: انهتاكاً كان لعلم المخاطب به، كأنه يقول: ومسيرها في الليل هتك لها من قبل الطيب الذي استعمله بل جعلها نفسها مسكاً. وكأنه ألم بقول امرئ القيس:
ألم ترياني كلما جئت طارقاً ... وجدت بها طيبا وإن لم تطيبِ
وبقول آخر:
درة كيفما أديرت أضاءت ... ومشم من حيثما شم فاحا
وأما المعنى المتداول أن الطيب يهتك من استعمله فمنه قول بشارٍ:
رب قول من سعاد لنا ... قد حفظناه فما رفعا
أملي لا تأت في قمرٍ ... لحديثٍ واتقِ الدرعا
وتوق الطيب ليلتنا ... إنه واش إذا سطعا
وأجود منه آخر محدث تقدم أبا الطيب: