للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو العلاء:) ذكر ما مضى (ينتصب على أحد وجهين، أجودهما أن يكون مفعولا لتجديد الهوى إياه، والآخر: أن يكون مفعولا له، كأنه قال أسر بتجديد الهوى لذكر ما مضى، أي لذكري إياه.

وَسَيفي لأنتَ السَّيفُ لا ما تَسلُّهُ ... لضَربٍ ومَّما السَّيفُ منهُ لكَ الغِمدُ

قال أبو العلاء: وسيفي أراد به معنى القسم، كأنه آلى بسيفه. أن هذا الممدوح هو السيف الذي يسله للضرب) ومما السيف منه لك الغمد (أي عليك درع أو جوشن. وهما يتخذان من الحديد، كما أن السيف منه يطبع.

وقد ذهب قوم إلى أن قوله وسيفي يريد به ويا سيفي، لأنت السيف، فحذف حرف النداء، وهذا لا يمتنع ولكن الأول أحسن، والقول في قوله) ورمحي (مثل القول في قوله) وسيفي (.

مِنَ القاسِمِينَ الشُّكرَ بَيني وبَينَهُمْ ... لأنَّهُمُ يُسدَى إليهِمْ بأنْ يُسدُوا

وقال ابن فورجة: يريد أنهم لكونهم يعتقدون منه فضلا عليهم لمن قصدهم واستماحهم، فهم يشكرونه على ذلك، فأنا أشكرهم على ما أولوني من الجميل، فهم يشكرونني على أخذي نوالهم. وفي بعض لفظ هذا البيت ما يدل على الغض من الممدوحين، إذ جعلهم يسدى إليهم بان يقبض نوالهم، وهذا هجو، إذ جعلهم بقبض نوالهم بمنزلة من لا يجد من يفضل عليه، وهل هو إلا من قوله:

وَقَبضُ نَوَالِهِ شَرَفٌ وَعِزٌّ ... وَقَبضُ نَوَالِ بَعضِ القَومِ ذَامُ

على أنه وأن خذله الوزن، ومنعه استيفاء غرضه، فقد علم أن ما يريده شدة فرحه بالعطاء، حتى كأن من يسأله يمن عليه، فما أكثر ما جاء نظير هذا في شعره وشعر غيره، وأجوده قول القائل:

وأنَّكَ لا تَدرِي إذا جاءَ سَائِلٌ ... أأنتَ بما تُعطِيهِ أم هُوَ أسعَد

ثم أتبع هذا البيت معنى يشبه أن يكون مبتكرا، وما حمله على الرضا بهذا اللفظ الموجه إلا ما نواه في البيت الثاني، وهو قوله:

فَشكري لهم شُكرانِ: شُكرٌ على النَّدَى ... وشُكرٌ على الشُّكرِ الذي وَهَبُوا بَعدُ

فهذا المعنى مع تعسفه فيه أغرب مما مضى، يقول فإذا شكروني على أخذ نوالهم شكرتهم على شكرهم إياي، وشكرتهم على ما أعطوني، فصار شكري لهم شاكرين. وقوله الذي) وهبوا بعد (جعل الشكر الذي أتوه هبة ثانية منهم له، وصار لفظ الهبة مستحسنا وزيادة في المعنى والصنعة.

ومن التي أولها:

وشَامِخٍ مِنَ الجِبالِ أقوَدِ

زُرناهُ للأمر الذي لمْ يُعهَدِ

للِصَّيدِ والنُّزهَةِ والتَّمرُّدِ

قال ابن فورجة: قال الشيخ أبو الفتح: إنما قال:) لم يعهد (أي لأن الأمير مشغول بالجد والتشمير عن اللهو واللعب. والتفسير على ما حكاه أن كانت الرواية لم) يعهد (بضم الياء لا محيص عنه، والأجود عندي وهو ما أرويه) لم يعهد (بفتح الياء. ويكون ضميره للشامخ يعني أنه لم يعهد الصيد فيه لعلوه وإرتفاعه، ولم يقدر على وحشه إلا هذا الأمير، لعظم شأنه ألا تراه يقول: فَردٍ كَيافُوخِ البَعيرِ الأصيَدِ يُسارُ من مَضيقِهِ وَالجَلمدِ في مثلِ مَتنِ المَسَدِ المُعَقَّدِ فوصفه بالارتفاع والوعورة وضيق الطريق، فهذا أراد بقوله) لم يعهد (، ألا تراهم يتمدحون بالصيد ومطاردة الوحش، حتى أن عامة) شعر (امرئ القيس وكثير من الشعراء بعده، افتخار بالطرد، وقد مدح أبو الطيب كثيرا به، ولم يستنكف لأحد من الممدوحين به كقوله:

وَذي لَجَبٍ لا ذُو الجَناحِ أمامَهُ ... بنَاجٍ ولا الوحوشُ المُثارُ بسالِمِ

وقوله:

لهُ مِنَ الوَحشِ ما اختارَتْ أسنَّتُهُ ... عَيرٌ وَهَيقٌ وخنساءٌ وَذَيَّالُ

وقوله لعضد الدولة:

لَمْ يَبقَ إلاَّ طَرَدُ السَّعالِي ... في الظُّلَمِ الغائِبَةِ الهِلالِ

على ظُهورِ الإبلِ الأُبَّالِ ومن التي أولها: أَوَدُّ مِنَ الأَيامِ ما لا تَوَدُّهُ

يُباعِدْنَ حِبَّاً يَجتَمِعنَ وَوَصلُهُ ... فكيفَ بحبٍّ يَجتَمِعنَ وَصدُّهُ

قال أبو العلاء: زعم أن الأيام يباعدن الحب المواصل، فكيف بحب موصوف بالصدود، أي هذا الحب المذكور صاد عنا، فذلك أجدر لمعونته الأيام على الفراق، وعطف) وصله وصده (على الضمير المرفوع في يجتمعن، والأحسن أن يؤكد الضمير المرفوع إذا عطف عليه، مثل أن يقول: يجتمعن هن ووصله.

<<  <   >  >>