قال الشيخ رحمه الله: يقول: كنت السيف تقاتل عن هؤلاء القوم لما كانوا في طاعتك، ومن شأن من معه سيف أن يكون قائمه إليه وفي كفه، وهو نحو من قول الأول:
نُقاسِمُهُم أسيَافَنَا شَرَّ قِسَمةٍ ... فَفينَا غَوَاشِيهَا وفيهِمْ صُدُورُها
يقول لما خالف هؤلاء القوم زالت هيئة السيف عما كانت عليه، وإنما يريد) بالبداية وأمسى خلف قائمه الحيار (كأنه جعل سيف الدولة في هذا الموضع الذي خلفه الحيار.
ومن التي أولها:
اختَرتَ دَهماءَتَينِ يا مَطَرُ ... وَمَن لَهُ في الفَضَائِلِ الخِيَرُ
قال الشيخ رحمه الله: قوله) ومن له في الفضائل الخير (وضع) من (نصب، لأنها تكون معرفة ونكرة، وهي هاهنا واقعة موقع النكرة، لأنها موصوفة بقوله) له في الفضائل الخير (، والنكرة الموصوفة بابها النصب في النداء، كأنه قال يا ملكا له في الفضائل، وقال في تنكير من:
يا رُبَّ مَنْ يُبغِضُ أذوادَنا ... رُحْنَ على بَغضائِه واغتَدَينْ
والخير جمع خيرة، وقد قالوا خبر فإذا جعلت جمع المتحركة الباء وهي مثل عنبه وعنب، وأن جعلت جمع التي ياؤها ساكنة، فهي مثل سيرة وسير وإذا إخترت دهماء هاتين الفرسين. ومن التي أولها:
حاشَ الرَّقيبَ فخانَتْهُ ضَمائِرُهُ
منْ كُلّ أحوَرَ في أنيابِهِ شَنَبٌ ... خَمرٌ مخامِرُها مِسكٌ تخامِرُهُ
قال ابن جني: خمر بدل من شنب، كأنه قال في أنيابه خمر، ومخامرها مخالطها، تقول العرب: مررت برجل مخامره داء، أي: مخالطه، يقول الخمر قد خالطت المسك، والمسك قد خامرها.
وقال الشيخ رحمه الله: صل الحور البياض، ومنه اشتق الحواري، ويقال: الحور نقاء بياض العين وشدة سوادها، ومسك يجوز أن يكون رفع بفعله وهو مخامرته إياها، ويجوز أن يكون) مخامرها (إبتداء) ومسك (خبره.
وقال ابن فورجة: الهاء في) مخامرها (عائدة على) الخمر (وهو رفع بالابتداء) ومخامرها (ابتداء ثان) ومسك (خبر) ومخابره مع مسك (جملة من مبتدأ وخبر محلها الرفع، لأنها خبر) خمر (والهاء في) تخامره (ضمير الشنب، يعني أن خمرا قد خامرها المسك تخامر ذلك الشنب.
ومن التي أولها:
عَذِيرِي مِنْ عَذَارَى من أُمُورِ ... سَكَنَّ جَوَانِحي بَدَلَ الخُدورِ
قال ابن جني: معنى) عذيري (أي يعذرني في طلبي لهذه الأمور الصعبة، قال ذو الإصبع: عَذِيري الحَيّ مِن عَدْوَانَ كانُوا حَيّةَ الوَادِي) وعذيري (في موضع نصب على المصدر، كأنه قال لا عذر عذرا، والعذير في غير هذا الحال قال) حاتم (:
وخَيلٍ تَعادَى قد شَهدتُ مُغِيرةً ... ولَو لم أُكنْ فيها لساءَ عَذيرُها
أي لساءت حالها، والعذارى جمع عذراء، وهي البكر من النساء، فأراد هاهنا أمورا عظاما لم تسم إليها نفس أحد قبله، ولما ذكر العذارى ذكر الخدور للصنعة.
وقال الشيخ رحمه الله:) عذيري (في معنى عاذري، أي أريد عذيري أو طلبه، ونحو ذلك من الأفعال المضمرة، وأكثر ما يستعملون عذيري، وعذيرك في موضع نصب، وعلى ذلك ينشدون قول الشاعر:
أُريدُ حَياتَهُ ويُريدُ قَتلِي ... عَذيرَك مِن خَليلكَ مِن مُرادِ
ورفع عذير لا يمتنع، على أن يضمر له مبتدأ، ويجعل خيرا أو يضمر الخبر، ويجعل مبتدأ ونصب بدل الخدور، لأن معنى قوله) سكن جوانحي (جعلنها مسكونة، فكأنه عدى الفعل إلى مفعولين، أي جعلن جوانحي جعلنها مسكونة: فكأنه بدل الخدور، ولا يمتنع أن يعتقد في هذا المضاف الانفصال، ويكون التقدير بدلا من الخدور فينصب على الحال، ويجوز أن يجعل بدل الخدور نعتا لجوانحي.
وقال الأحسائي: معنى قوله) عذيري (أي أعذرني، وهو مصدر منصوب على معنى الأمر، ويجوز أن يكون فعيلا بمعنى فاعل كعليم، ويكون مرفوعا على تقدير أنت عذيري، أو يكون منصوبا على النداء، يريد يا عذيري، وقوله) من عذاري من أمور (أي نوب عذارى، يريد أنها أبكارا ولم يمارسها غيري.
ومن التي أولها:
اَريقُكِ أم ماءُ الغَمامَةِ أمْ خَمرُ ... بِفيَّ بَرُودٌ وَهوَ في كَبدي جَمرُ
إليكَ ابن يحيَى بنِ الوَليدِ تَجاوَزَتْ ... بي البيدَ عَنسٌ لَحمُها الدَّمُ والشَّعرُ