للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الشيخ: رحمه الله: الأود يحتمل أن يكون واحدها ود، ود، ود لأنهم يقولون ودي، وودي، وودي كأنهم وصفوه بالمصدر، يقال: لساني مواد لسانك وكذا فؤادي مواد فؤادك. والعين والهمة كذلك، وقال ذا اسمها، ولولا الوزن لوجب أن يقول هذه أسماؤها، ولكنه محمول على قوله: اللواتي ذا لفظها، والشطر النصف أي أن هذه المذكورات مني كأنها مشاطرة المسميات بها من خُلُقِكَ وخَلْقِكَ.

ومن التي أولها:

بادٍ هَوَاكَ صَبْرتَ أمْ لَمْ تَصْبرا ... وبُكاكَ إنْ ل يَجْرِ دَمْعُكَ أو جَرَى

قال الشيخ أبو العلا رحمه الله: قوله لم تصبرا من الضرورات لأن النون لم تجر عادتها أن تدخل في هذا الموضع إلا عن ضرورة قال الراجز:

يَحسَبُهُ الجَاهلُ ما لم يَعْلَما ... شَيخاً على كُرسيهِ معَمَّمَا

وقد أدخلوا هذه النون في أشياء هي من الضرورات، وحذفوها في مواضع وحذفها قبيح فمن ذلك البيت المنسوب إلى طرفة:

أضرب عنك الهُموم طارِقَها ... ضَرْبَك بالسَّوطِ قَوْنَسَ الفَرَس

أراد أضربن. وقال الراجز:

مِنْ أي يَوْميَّ مِنَ الدَّهرِ أفِرْ ... أيَوْمَ لم يُقْدَرَ أم يومَ قُدْرِ

أراد لم يقدرون فحذف النون وبقيت الحركة وهذا البيت ذكره المفجع في حد الإعراب وهو قول الشاعر:

إنَّ ابن أحَوَص مَغرُورُ فَبلَّغَهُ ... في سَاعِديه إذا رَامَ العُلَى قِصَرُ

أراد فبلغته، ومنهم من يقول: فبلغه بضم الغين، وهذا أقبح من الفتح لأن الغين إنما تضم لأجل ضمة الهاء والذي يذهب إلى هذا الوجه يحتج بقول الراجز:

عَجِبْتُ والدَّهرُ كَثيرُ عَجَبُه ... من عَنَزِيًّ سَبَّني لم أضرِبُهْ

ألقى حركة الهاء على الباء ومثله قول طرفة:

حاسبي رَبْعُ وَقَفْتُ به ... لو أُطِيعُ النّفْسَ لم أرِمُهْ

لما كان يقول في الوصل لم أرمه ألقى حركة الهاء على الميم، وهذا يشبه قولهم في الوقت: هذا بكر ومررت ببكر ومنه الرجز المنسوب إلى جرير بن عبد الله البجلي:

أنَا جَريرُ كُنْيَتي أبو عِمِرُ ... أجُبُناً وَغَيْرَةً تحت السَّتِر

قد نَصَرَ اللهُ وَسعدُ في القَصْرِ والبيت الذي أنشده المفجع قد ضمت العين فيه على غير وقف، إلا أنهم يقولون: أجري الوصل مجرى الوقف، ويجب أن تفتح الراء في جرى.

وقال ابن فورجة: حكي عن أبي الطيب أنه قيل له: خالفت بين سبك المصراعين فوضعت في المصراع الأول إيجاباً بعد نفي، تريد صبرت أو لم تصبرا ووضعت في المصراع الثاني نفياً بعد أيجال وهذا مخالف لما يستحسن من صنعة الشعر فقال في الجواب: لئن كنت خالفت بينهما من حيث الفظ فقد وافقت بينهما من حيث المعنى، وذلك أنه من صبر لم يجر دمعه، ومن لم يصبر جرى دمعه فهذا جواب جيد، وحكاية مليحة، الله أعلم بصحتها. وفي البيت فحص آخر. وهو قوله) وبكاك إن يجر دمعك أو جرى (فلقائل أن يقول كيف يبدو البكاء إن لم يجر دمعه؟ فهن هذا السؤال جوابان أحدهما: أنه يعني ما في صوته إذا تكلم من نغمة الحزين وشجو الباكي والزفير والتهيؤ. والجواب الثاني: أن يكون بكاك عطفاً على الضمير في صبرت كأنه يقول صبرت وصبر بكاك فلم يجر دمعك أو لم تصبر فجرى دمعك وهذا أجود الجوابين.

تَعِسَ المَهارِي غَيْرَ مَهْرِيَ غَدَا ... بِمُصَوَّرِ لَبِسَ الحَريرَ مُصَوَّرَا

نافَسْتُ فيهِ صُورَةً في سِتْرِهِ ... لو كُنْتُها لَخَفِيتُ حتى يَظْهَرا

قال الشيخ رحمه الله: تعس كلمة تستعمل في الدعاء وهي دعوة بأن يلقي المدعو عليه عنتاً وشراً. والمهاري جمع مهري، وهي بعير منسوب إلى مهرة بن حيدان بن عمران بن الحاف بن قضاعة.

وقوله) بمصور (أي بشخص مصور، صوره الله سبحانه، ونافست) فاعلت (من قولهم نفست عليه بالشيء إذا بخلت والهاء في قوله فيه راجعة على المصور الذي هو الشخص ولا يمتنع أن يريد بمصور أنه مصور في قلبه ممثل فيه وهذا البيت فيه مبالغة عظيمة يراد بها شدة النحول والمعنى أني نفست على هذه الصورة بأن تقرب من ذلك المصور ولو كنت تلك الصورة لخفيت من نحولي حتى يظهر من قد وارته. ويحتمل أن يكون المراد متصوراً على صفة بالنحول، ويجوز أن يضاف إليه. أراد به أن يظهر هذا المستور فتراه لأنه قد حجب عنه بالستر.

<<  <   >  >>