أفْتَى بِرُؤيَتِهِ الأنامُ وَحاشَ لي ... مِنْ أنْ أكونَ مُقَصّراً أو مُقْصِرا
قال ابن جني: أي كل من سألته عن يميني أفتاني بأن أرى ابن العميد) وحاش (محذوف من حاشى، وفيه معنى الاستثناء، يقول مثلاً إذا حلف فلم يجد من لقائه بدلاً، لأنه لا يستحق الوصف غيره، ويقال قصر عن الشيء إذا تركه عجزاً عنه. وأقصر عنه إذا تركه قادراً عليه.
صُغْتُ السَّوَارَ لأي كَفَّ بَشّرَتْ ... بابْنِ العَمِيد وأيّ عَبْدٍ كَبَّدٍ كَبَّرَا
قال الشيخ: أي كف بشرتني بلقاء ابن العميد وقربي منه فإني قد صغت لها سواراً جزاءً لها على ما فعلته. وقوله) وأي عبد كبرا (يريد عبداً من عبيد الله وجعل العبد مستحقاً للتسوير كأنه إذا كبر رفع يده.
خَنْثَي الفُحولِ مِن الكُماةِ بصَبْغهِ ... ما يَلْبِسُونَ مِن الحَديدِ مُعَصْفَرَا
قال الشيخ رحمه الله:) خنثى الفحول (أي جعلهم كالمخنثين أو جعل كل واحد منهم كالخنثى، وفعلى يزعم النحويون أنها لا تستعمل للذكر، وقولهم الخنثى لم يخلص للمذكر ولا للمؤنث، إلا أن الكلمة مشتركة بين الاثنين، أخذ المخنث والخنثى من الانخناث أي الانكسار والضعف، يقول: هذا الممدوح من الكماة جعلها كالمخنثين أو الخناثى لأنها تضعف وتنكسر، ولأنه يصيغ ما لبسته وغيرها بالدم، فهو كالعصفر، وقد جرت عادة من كان مخنثاً أن يرغب في لباس النساء.
وقال الأحسائي: خنثى الفحول يحتمل معنيين إما لجبنهم عن محاربته صاروا كذلك، وإما للبسهم الثياب المعصفرة، وهي من لبس الإناث والمشبهين بهن ألا ترى قول الشاعر:
إنْ أنْتُم لم تَطْلُبُوا بأخِيكُمُ ... فَذَرُوا السَّلاحَ وَوحَشُوا بالأَبْرَقِ
وخُذُوا المكاحِلَ والمجَاسِدَ والبَسُوا ... ثُقَبَ النَساءِ فبئسَ رَهطُ المرهَقِ
قَطفَ الرّجالُ القَوْلَ وَقْتَ نَباتِهِ ... وَقَطَفْتَ أنْتَ القَوْلَ لمَّا نَوَّرَا
قال ابن جنى: أي كلام الناس فج، وكلامك فصيح عذب.
قال الشيخ رحمه الله: المعنى أني مدحت الناس وأنا شاب مبتدئ في قول الشعر، ومدحتك بعد أن تكاملت الغريزة في إحكام القريض وانتهت قولي كالنبت الذي هو نزر فهو أحسن أوقات نباته، ولا يمتنع ما قال الشيخ أبو الفتح.
وقال الأحسائي: شبه الكلام بالنبات فقال تكلمت الفصحاء به أول ما نبت وظهر ولم يبلغ منتهاه، فجاء كلامهم غير متناسب الفصاحة ونطقت به أنت حين بلغ وانتهى فأتى كلامك رائق الألفاظ رقيق المعاني.
فَدَعاكَ حُسَّدُكَ الرَّئيسَ وأمسَكُوا ... ودعَاكَ خالِقُكَ الرَّئيس الأكْبَرَا
خَلَفَتْ صِفاتُكَ في العُيُونِ كَلامَهُ ... كالخَطَّ يَمْلأ مِسْمَعَيْ مَنْ أبصَرَا
قال الشيخ: يقول دعاك الناس الرئيس ولم يزد على هذا القدر، ودعاك خالقك بأعظم مما دعاك به الناس فجعلك الرئيس الأكبر، ثم قال: خلقت صفاتك في العيون كلامه، أي أنه لما خلقك على هذه الصفات المعجزة علم أن منزلتك عنده عظيمة لا يصل إليها غيرك، ثم مثل ما قدم في النصف الأول بقوله) كالخط يملأ مسمعي من أبصرا (أي أن الخط إذا رآه من يقرؤه فكأن مسمعيه قد امتلأتا بالكلام الذي قد رآه مكتوباً، وهذا المعنى مثل قوله في الأخرى: أغْنَتَهُ عَنْ مِسْمَعَيْهِ عَيناهُ
وَتَكَرَّمَتْ رُكَباتُها عَنْ مَبْرَكٍ ... تَقَعان فيهِ ولَيْسَ مِسْكاً أذْفَرَا
قال ابن جني: قوله ركباتها وإنما لها ركبتان، لأنه جمع الركبتين وما يليهما أو يكون سمى كل جزء منها ركبة، كما يقال شابت مفارقه، وطالت عثانينه، وإنما له مفرق واحد. ثم يقال تقعان فيه لأنه رجع إلى الركبتين في الحقيقة وترك المجاز، وهذا فيه عندنا في صناعة الإعراب أن يحمل على المعنى ثم يعود إلى اللفظ.
وقال الشيخ رحمه الله: تكرمت هذه الناقة أن تبرك إلا على المسك الأذفر، لأنها في محلة ملوك، يوقدون العنبر، والذي ادعى من بروكها على المسك الأذفر يوفي على ما ذكره من العنبر الموقد بدرجات، وكانت الملوك تستعمل مثل هذه الخليقة، ولا يجوز أن تبرك الناقة على مسك
وتَرى الفَضِيلَةَ لا تَرُدُّ فَضِيلَةً ... الشَّمْسَ تَشْرُقُ والسحابَ كَنهْوَرَا