للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٠٧٤ - حَدَّثَنَا أَبُو شَيْبَةَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ جَعْفَرٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ , قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ , قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ , عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ , عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: ١٧٧]. يَقُولُ: «تَكَلَّمُوا بِكَلَامِ الْإِيمَانِ , وَحَقَّقُوهُ بِالْعَمَلِ» قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: الْإِيمَانُ كَلَامٌ وَحَقِيقَتُهُ الْعَمَلُ , فَإِنْ لَمْ يُحَقِّقِ الْقَوْلَ بِالْعَمَلِ لَمْ يَنْفَعْهُ الْقَوْلُ. قَالَ الشَّيْخُ: وَحَسْبُكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِآيَةٍ جَمَعَتْ كُلَّ قَوْلٍ طَيِّبٍ , وَكُلَّ عَمَلٍ صَالِحٍ , قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦]. ⦗٧٩٣⦘ فَإِنَّهُ جَمَعَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْقَوْلَ وَالْعَمَلَ وَالْإِخْلَاصَ وَالطَّاعَةَ لِعِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ , وَالْإِيمَانَ بِهِ وَبِكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ , وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ , فَهَلْ لِلْعِبَادَةِ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ الْعِبَادَ لَهَا عَمَلٌ غَيْرُ عَمَلٍ مِنَ الْإِيمَانِ , فَالْعِبَادَةُ مِنَ الْإِيمَانِ هِيَ أَوْ مِنْ غَيْرِ الْإِيمَانِ , فَلَوْ كَانَتِ الْعِبَادَةُ الَّتِي خَلَقَهُمُ اللَّهُ لَهَا قَوْلًا بِغَيْرِ عَمَلٍ لَمَا أَسْمَاهَا عِبَادَةً , وَلَسَمَّاهَا قَوْلًا , وَلَقَالَ: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَقُولُونَ , وَلَيْسَ يَشُكُّ الْعُقَلَاءُ أَنَّ الْعِبَادَةَ خِدْمَةٌ , وَأَنَّ الْخِدْمَةَ عَمَلٌ , وَأَنَّ الْعَامِلَ مَعَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا عَمَلُهُ أَدَاءُ الْفَرَائِضِ , وَاجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ وَطَاعَةُ اللَّهِ فِيمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ شَرَائِعِ الدِّينِ وَأَدَاءِ الْفَرَائِضِ , قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هَوُ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج: ٧٨]. . الْآيَةَ. فَهَلْ يَخْفَى عَلَى ذِي لُبٍّ سَمِعَ هَذَا الْخَطَّابَ الَّذِي نَزَلَ بِهِ نَصُّ الْكِتَابِ أَنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ قَدِ انْتَظَمَ التَّصْدِيقَ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَالْمَعْرِفَةِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: ٢٥]. وَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: ١٦٢]. ⦗٧٩٤⦘ وَقَالَ: {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنعام: ٧١]. وَإِقَامُ الصَّلَاةِ هُوَ الْعَمَلُ , وَهُوَ الدِّينُ الَّذِي أَرْسَلَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ , وَأَمَرَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ , فَمَا ظَنُّكُمْ رَحِمَكُمُ اللَّهُ بِمَنْ يَقُولُ: إِنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ مِنَ الْإِيمَانِ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الروم: ٣١]. فَجَعَلَ اللَّهُ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُشْرِكًا خَارِجًا مِنَ الْإِيمَانِ , لِأَنَّ هَذَا الْخَطَّابَ لِلْمُؤْمِنِينَ تَحْذِيرٌ لَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا الصَّلَاةَ , فَيَخْرُجُوا مِنَ الْإِيمَانِ , وَيَكُونُوا كَالْمُشْرِكِينَ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}. فَقَالَ: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ , وَأَقَامَ الصَّلَاةَ , وَآتَى الزَّكَاةَ , فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ , فَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ لَمْ تَنْفَعْهُ الصَّلَاةُ , وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ لَمْ يَنْفَعْهُ الْإِيمَانُ , وَاسْتَدَلَّ بِمَحَلِّ الصَّلَاةِ مِنَ الْإِيمَانِ وَنُزُولِهَا مِنْهُ بِالذُّرْوَةِ الْعُلْيَا , وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَهَا بِالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ , فَلَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ إِلَّا بِالطَّهَارَةِ , فَلَمَّا عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ عِبَادَهُ يَكُونُونَ بِحَيْثُ لَا مَاءَ فِيهِ , ⦗٧٩٥⦘ وَبِحَالٍ لَا يَقْدِرُونَ مَعَهَا إِلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ , فَرَضَ عَلَيْهِمُ التَّيَمُّمَ بِالتُّرَابِ عِوَضًا مِنَ الْمَاءِ لِئَلَّا يَجِدَ أَحَدٌ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ مَنْدُوحَةً , وَلَا فِي تَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا رُخْصَةً , وَكَذَلِكَ فَرَضَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةَ فِي حَالِ شِدَّةِ الْخَوْفِ , وَمُبَارَزَةِ الْعَدُوِّ , فَأَمَرَهُمْ بِإِقَامَتِهَا عَلَى الْحَالِ الَّتِي هُمْ فِيهَا , فَعَلَّمَهُمْ كَيْفَ يُؤَدُّونَهَا , فَهَلْ يَكُونُ أَحَدٌ هُوَ أَعْظَمُ جَهْلًا , وَأَقَلُّ عِلْمًا , وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ , وَأَشَدُّ تَكْذِيبًا لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَسُنَّةِ الْإِيمَانِ وَشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ مِمَّنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ فَرَضَ الصَّلَاةَ , وَجَعَلَ مَحَلَّهَا مِنَ الْإِيمَانِ هَذَا الْمَحِلَّ , وَمَوْضِعَهَا مِنَ الدِّينِ هَذَا الْمَوْضِعَ , وَأَلْزَمَ عِبَادَهُ إِقَامَتَهَا هَذَا الْإِلْزَامَ فِي هَذِهِ الْأَحَايِينِ , وَأَمَرَ بِالْمُحَافَظَةِ وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا عَلَى هَذِهِ الشَّدَائِدِ وَالضَّرُورَاتِ , فَيُخَالِفُ ذَلِكَ إِلَى اتِّبَاعِ هَوَاهُ وَإِيَثَارِهِ لِرَأْيِهِ الْمُحْدَثِ الَّذِي ضَلَّ بِهِ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ , وَأَضَلَّ بِهِ مَنِ اتَّبَعَهُ فَصَارَ مِمَّنْ يُشَاقِقُ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى , وَاتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ , فَوَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى , وَأَصْلَاهُ جَهَنَّمَ , وَسَاءَتْ مَصِيرًا. قَالَ الشَّيْخُ: فَقَدْ تَلَوْتُ عَلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَدُلُّ الْعُقَلَاءَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ , وَأَنَّ مَنْ صَدَّقَ بِالْقَوْلِ وَتَرَكَ الْعَمَلَ كَانَ مُكَذِّبًا , وَخَارِجًا مِنَ الْإِيمَانِ , وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ قَوْلًا إِلَّا بِعَمَلٍ , وَلَا عَمَلًا إِلَّا بِقَوْلٍ. وَسَأَذْكُرُ مِنْ أَخْبَارِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتِهِ وَأَخْبَارِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ مَا فِيهِ شِفَاءٌ وَكِفَايَةٌ لِمَنْ أَرَادَ بِهِ مَوْلَاهُ الْكَرِيمُ خَيْرًا , فَوَفَّقَهُ لِقَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ , وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ , وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>