للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نوح عَلَيْهِ السَّلَام {وَإِنِّي كلما دعوتهم لتغفر لَهُم جعلُوا أَصَابِعهم فِي آذانهم واستغشوا ثِيَابهمْ وأصروا واستكبروا استكبارا} وَذَلِكَ لِأَن الله لم يرد لَهُم الْهِدَايَة كَمَا قَالَ نوح عَلَيْهِ السَّلَام مُخَاطبا لَهُم وَلَا ينفعكم نصحي إِن أردْت ان أنصح لكم إِن كَانَ الله يُرِيد أَن يغويكم هور بكم وَإِلَيْهِ ترجعون

أما الْهِدَايَة المنسوبة فِي الْقُرْآن الْكَرِيم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِلَى كِتَابه الْعَزِيز فِي قَوْله تَعَالَى {وَإنَّك لتهدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} وَقَوله سُبْحَانَهُ {إِن هَذَا الْقُرْآن يهدي للَّتِي هِيَ أقوم} فَالْمُرَاد بهَا هُنَا هِدَايَة إرشاد وَدلَالَة لَا هِدَايَة توفيق لِأَن الْهِدَايَة بِمَعْنى التَّوْفِيق خَاصَّة بِهِ عز وَجل لَا يملكهَا أحد غير الله تَعَالَى فَلِذَا جَاءَ نَفيهَا عَن غير الله فِي غير آيَة من الْقُرْآن الْكَرِيم من ذَلِك قَوْله تَعَالَى {إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت وَلَكِن الله يهدي من يَشَاء} فبذلك نعلم أَن الْهِدَايَة فِي الْقُرْآن لَهَا مَعْنيانِ الْهِدَايَة بِمَعْنى الْإِرْشَاد وَالْبَيَان وَالدّلَالَة فَهَذِهِ لِلْقُرْآنِ وَالْمُرْسلِينَ وَمن يقوم مقامهم فِي الدعْوَة إِلَى الله وَالثَّانِي الْهِدَايَة بِمَعْنى التَّوْفِيق فَهَذِهِ خَاصَّة بِاللَّه تَعَالَى لَا يقدر عَلَيْهَا أحد إِلَّا الله تَعَالَى وَمن هُنَا نعلم أَن مهمة الرُّسُل مَقْصُورَة على الْإِنْذَار وتبيلغ الرسَالَة مَعَ الْجِهَاد فِي سَبِيل الله كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا أَنْت مُنْذر وَلكُل قوم هاد} وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده

وَقد نبه ابْن بطة إِلَى أَن الله إِذا أَرَادَ للعباد السَّعَادَة وَقدر لَهُم الْهِدَايَة فِي الْأَزَل ألان قُلُوبهم وَفتح أذهانهم لتقبل الْهِدَايَة الَّتِي جَاءَت بهَا الرُّسُل فينتفعون بدعوة الْمُرْسلين فَيجْعَل لَهُم من أنفسهم وازعا وداعيا إِلَى الْهدى وكما أرسل الله الرُّسُل بالهداية أرسل الشَّيَاطِين لإضلال من أَرَادَ إضلاله فِي الْأَزَل خلافًا لما تدعيه الْقَدَرِيَّة من أَن الْهِدَايَة والإضلال والسعادة والشقاء بيد الْعباد لَا بيد الله تَعَالَى فالشياطين هم الَّذين يغوون من شاؤوا دون إِرَادَة من الله تَعَالَى ومشيئته فِي الْأَزَل وَلَكِن دلّت على بطلَان هَذِه الدعْوَة نُصُوص

<<  <  ج: ص:  >  >>