للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المشيئتين أصلا لِأَن مَشِيئَة الله عَامَّة شَامِلَة لجَمِيع الأكوان دون حُدُود وَلَا اسْتثِْنَاء ومشيئة الْعباد محدودة مُقَيّدَة بِمَشِيئَة الله تَعَالَى فَلَا مُنَافَاة بَين الْمُقَيد وَالْمُطلق وَبَين الْعَام وَالْخَاص وَلِأَن نفس مَشِيئَة العَبْد هِيَ من الله تَعَالَى فَهُوَ الَّذِي جعل الْعباد يختارون ويريدون فالمشيئة الْعَامَّة الشاملة لله رب الْعَالمين وَحده والمشيئة المحدودة الْمقيدَة بِالْمَشِيئَةِ الْعَامَّة هِيَ مَشِيئَة الْأَنْسَاب إِن الْإِنْسَان هُوَ صَنْعَة الله ومشيئته من مَشِيئَته فَهُوَ فِي مَشِيئَته وإرادته وأفكاره ونوازعه مَخْلُوق لله بِمَشِيئَة الله ... وَمَعَ هَذَا فَإِن الْإِنْسَان مطَالب من دَاخل ذَاته وخارجها أَن يسْتَعْمل عقله كَمَا يسْتَعْمل جوارحه من سمع وبصر وذوق وشم ... فالعقل هُوَ الْعين الَّتِي يبصر بهَا الْإِنْسَان وُجُوه الغايات الَّتِي تحرّك نَحْوهَا إِرَادَته وَيعْمل لَهَا كل قواه كَمَا يسْتَعْمل عَيْنَيْهِ فِي النّظر إِلَى الْأَشْيَاء ويحرك يَده لتناولها أَو رجله للسعي نَحْوهَا

فَهَذِهِ الْآيَات السَّابِقَة تضع الْإِرَادَة الْحَادِثَة أَمَام ضدين من الْأَفْعَال أَحدهمَا يُؤَدِّي فعله إِلَى الْحُصُول على الدُّنْيَا وَالْآخر نتيجة الْفَوْز بِالآخِرَة فَإِذا نَحن وَضعنَا هَذِه الْآيَات الَّتِي تثبت تَخْيِير الله سُبْحَانَهُ للإرادة البشرية بَين الضدين بِجَانِب آيَات الْمَشِيئَة الإلهية الْمُطلقَة فهمنا كَيفَ تعْمل هَذِه الْمَشِيئَة فِي حَيَاة الْبشر وَكَيف تخْتَار بعض النَّاس للهدى وَالْبَعْض الآخر للضلال

إِن الله يهدي من يَشَاء وَقد شَاءَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِنَصّ آيَات الْإِرَادَة أَن يهدي من يخْتَار الْآخِرَة وَهُوَ يضل من يَشَاء كَمَا تنص على ذَلِك آيَات الْمَشِيئَة الْمُطلقَة وَقد شَاءَ سُبْحَانَهُ أَن الَّذِي يختاره الله من النَّاس للضلال كَمَا هُوَ وَاضح صَرِيح بِنَصّ آيَات الْإِرَادَة الإنسانية المخيرة

هم الَّذين يُرِيدُونَ الدُّنْيَا وَزينتهَا وحرثها وثوابها كَمَا قَالَ أَيْضا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُبينًا الَّذين يختارهم للهدى ويمدهم بِهِ وَمن يُؤمن بِاللَّه يهد قلبه وَالله

<<  <  ج: ص:  >  >>