بِكُل شَيْء عليم) أَي أَن الْهدى الإلهي لَا يمده الله بِهِ إِلَّا من يخْتَار الْإِيمَان كَمَا لَا يمْنَع الله الْهدى إِلَّا عَن الْكَافرين من النَّاس وَذَلِكَ حَيْثُ يَقُول {إِن الَّذين كفرُوا سَوَاء عَلَيْهِم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لَا يُؤمنُونَ ختم الله على قُلُوبهم وعَلى سمعهم وعَلى أَبْصَارهم غشاوة وَلَهُم عَذَاب عَظِيم} فَبين هُنَا أَن الْخَتْم على الْقُلُوب لَا يَجعله الله إِلَّا للَّذين اخْتَارُوا الْكفْر على الْإِيمَان
كَمَا قَالَ أَيْضا {سأصرف عَن آياتي الَّذين يتكبرون فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق وَإِن يرَوا كل آيَة لَا يُؤمنُوا بهَا وَإِن يرَوا سَبِيل الرشد لَا يتخذوه سَبِيلا وَإِن يرَوا سَبِيل الغي يتخذوه سَبِيلا ذَلِك بِأَنَّهُم كذبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غافلين} فَأثْبت فِي هَذِه الْآيَة أَن الصّرْف عَن آيَات الله أَو الْخَتْم على الْقلب أَو الْإِمْدَاد بالضلال إِنَّمَا يتنزل على العَبْد بِنَاء على اخْتِيَاره حَيْثُ بَين أَن الصّرْف عَن آيَاته وَعَن الْحق إِنَّمَا يتنزل على العَبْد نتيجة لاختياراته فِي مَوَاقِف الِابْتِلَاء حَيْثُ تكبر فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق وَحَيْثُ اخْتَار سَبِيل الغي وَترك سَبِيل الرشد كَمَا قَالَ تَعَالَى أَيْضا فِي بني إِسْرَائِيل {فبمَا نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيَات الله وقتلهم الْأَنْبِيَاء بِغَيْر حق وَقَوْلهمْ قُلُوبنَا غلف بل طبع الله عَلَيْهَا بكفرهم فَلَا يُؤمنُونَ إِلَّا قَلِيلا وبكفرهم وَقَوْلهمْ على مَرْيَم بهتانا عَظِيما}
وَذَلِكَ يثبت مَا سبق أَن ذَكرْنَاهُ من أَن الإضلال أَو الْهدى والختم والطبع إِنَّمَا يطبعه على قُلُوب الْعباد بكفرهم وَقد يظنّ الْبَعْض فِي هَذِه الْآيَات السَّابِقَة شُبْهَة الْجَبْر وَذَلِكَ ناتج من عدم فهم سنة الله فِي مُعَاملَة الْعباد وَالَّتِي تحدثنا عَنْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute