قد أصبت من أبيك بمن لا لوم إذا بكيت عليه ملء الشؤون، ووجعت له مدى الظنون كذا. فالأب سماء مظلة، وارض مقلة، وأصل أنت فرعه، وشجر أنت غصنه، ولكن أدب الله أحرى بالاستعمال، من بواعث الرقة والانخزال. لو خير أبوك لاختار ما اختار له تقدماً بين يديك، وتعويضاً للبقاء إليك. إذ كنت مع عقلك وبصيرتك أبا، ولأهلك وعشيرتك نسبا. سد الله بك مكانه. وورثك عمره وفضله، وعوضك الأجر عنه، وأيدك بالعصمة بعده. بقي أن نجعل هذه النوائب عبراً تبصرنا العواقب، ونقول ما حال شجر أوهنت أصوله، ثم أخذت غصونه، وننظر في أصل البقاء، بعد فناء الآباء والأبناء، فنأتي ما فيه حصول النجاة، تخليصاً لهذه الأنفس من التبعات.
[في التعازي عن الحرم]
نبهت بموعظة، ورزقت ثواباً، وسترت عورة، وكفيت مؤونة. فعظم الله أجرك فيمن أمضى، وأخلف عليك الإمتاع بما أبقى. لا ستر أستر من أرض، ولا ختن أكرم من جنن. بهذا أتى الشرع، وعليه أجمع العقل والسمع. ستر العورات، من الحسنات، ودفن البنات، من المكرمات، وتقديم الحرم، من النعم، وقد قاسمتك الفجائع، فأعطتك أوفر الحظين، وساهمتك النوائب فوقتك أجزل القسطين، ورضي الحمام بأن يتخطى نجباء ولدك، وإن انتقص الإناث من عددك، فالشكر أوجب عليك، من الصبر أن تدعى إليه. إن كان الله قد سلب لمولاي ريحانة وروضة، فقد وعده في كتابه بشارة وصلاة ورحمة وهداية. قد كفيت مؤونة، وصنعت حرمة، وسترت عورة، وقدمت إلى الجنة بضعة، وبعثت على مقدمتك إلى الآخرة شفيعاً ووسيلة، ورجعت إلى شبابك مرحلة. فليس بشيخ من لا بنت له، ولو كان ابن مائة سنة، وليس