استعجال الآجال، وتصورت لهم المنايا في صور الأماني والآمال. ساروا وآجالهم تفسح لهم في مطامعهم، ومناياهم تحث مطاياهم إلى مصارعهم. أقدموا راكبين للغرر، مستسلمين للغير. تجذبهم كواذب الأطماع بمقاود نفوسهم، إلى مقاطع رؤوسهم، وتسوقهم بأزمة معاطسهم، إلى مظان متاعسهم. نقلهم الله بأقدامهم، إلى مصارع حمامهم. توجهت تلك العساكر المخذولة يسوقها راهن ضلالها، إلى انتهاء آجالها، ويقودها حاضر دمارها، إلى انقضاء أعمارها.
ذكر انخزال الأعداء ووهلهم واستيلاء الرعب عليهم قبل المحاربة
نصرنا بالرعب عليهم، حتى أصبحت المهابة سيوفاً خواطر في قلوبهم، وراحت المخافة رماحاً خواطف لنفوسهم، ملكه ذعر أراه دورة متسفة، وجيوشه مختطفة، وبلاده ممتلكة، ومعاقله منتهكة. أحواله قد تداعت، ونفوس أصحابه قد ارتاعت، تمثل له الأجل، فملكه الوجل، واستطاره الوهل، فلن يطول به المهل. ناوشوا بقلوب غمرها الوجل، وأيد قد أضعفها الوهل. فالسواعد غير مساعدة والأعضاد غير معاضدة. أخذت مبانيهم تتنقض، ودعائمهم تتقوص، وزنادهم تصلد، ورياحهم تركد. فلم يطو مولانا إليهم منزلاً إلا تضاعفوا ضعفاً وتخلخلاً، ولم يدن منهم منهلاً إلا ازدادوا وهناً وتزلزلاً. لا يمرون حبلاً إلا أوثقوا بقواه، وخنقوا بعراه، ولا يلهبون ناراً إلا عوجلوا بضررها، وأبيدوا بشررها. ساء صباحهم، وقرب اجتياحهم، وتطايرت فرقاً أرواحهم. أشعرت نفوسهم التلاقي، فبلغت التراقي، علموا أن القراع لا يثمر إلا قرع صفاتهم، والنزاع لا ينتج إلا نزع شباتهم. استبدلوا بالتطاول تضاؤلا، وبالتجلد تباعدا، ورأوا الأنوار ظلما، والأشخاص بهما، والآكام رجالا، والجبال خيلاً عجالا. لما رأوا الرايات المنصورة تخفق خفقت عليها قلوبها، وتمثل لها أن قد وجدت جنوبها. انزعج من مكانه بقلب هلوع،