وقد تقول: ولم لم يعبر بالتعبير الطبيعي فيقول: لا تلتهوا بالأموال والأولاد، على أصل المعنى؟
والجواب: أن في هذا العدول عدة فوائد:
منها: أنه نهى الأموال عن التعرض للمؤمن وإلهائه عن ذكر الله فكأنه قال: أيها الأموال لا تهلي المؤمن عن ذكري. فكأن الله يريد حماية المؤمن وذلك بنهي السبب عن أن يتعرض له فكيف عن التعرض.
وفي هذا النهي مبالغة إذ المراد نهي المؤمن ولكنه بدأ بالأصل المسألة وهي الأموال والأولاد فنهاها هي عن التعرض للمؤمن بما يلهيه فقد جعل الله المؤمن كأنه مطلوب من قبل الأموال والأولاد تسعى لإلهائه وفتنته فنهاها عن السعي لهذا الأمر لينقطع سبب الإلتهاء ويقمعه.
ومنها: أن فيه إهابة للمؤمن ألا يقع في شرك الأموال والأولاد بحيث تلهيه وهو غافل مسلوب الإرادة، فنسب الإلهاء ليأخذ المؤمن حذره منها، فكأن الأموال والأولاد ينصبون الشرك ليلهوه عن ذ كر الله، فعليه أن يحذر من أن يقع فيه كما تقول:(لا يخدعك فلان) فغن فيه إهابة لأخذ الحذر منه.
هذا بالإضافة إلى ما فيه منة التعبير المجازي اللطيف، وهو إسناد الإلهاء إلى الأموال فجعلها عاقلة مريدة تنصب الشرك لوقوع المؤمن في الفخ.
جاء في (روح المعاني) : "والمراد بنهي الأموال وما بعدها نهي المخاطبين، وإنما وجه إليها للمبالغة لأنها لقوة تسببها للهو وشدة مدخليتها فيه، جعلت كأنها لاهية وقد نهيت عن اللهو، فالأصل لا تلهوا بأموالكم.. الخ. فالتجوز في الإسناد وقيل: إنه تجوز بالسبب عن المسبب كقوله: (فلا يكن في صدرك حرج) أي: لا تكونوا بحيث تلهيكم أموالكم"[٢]
وجاء في (تفسير البيضاوي) : "توجيه النهي إليها للمبالغة"[٣] .
٣ـ جاء بـ (لا) بعد حرف العطف فقال: (لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم) ولم يقل: (أموالكم وأولادكم) ذلك أن كلاً من الأموال والأولاد داع من دواعي الإلهاء وكذلك الأولاد.