إذا تدارسنا سورتي الليل والشمس لوجدنا أن القسم في سورة الليل وجواب القسم مطلق (والليل إذا يغشى - والنهار إذا تجلى - وما خلق الذكر والأنثى -) كلها مطلقة فلم يقل ماذا يغشى الليل ولم يحدد الذكر والأنثى من البشر وكذلك جواب القسم في سورة الليل (إن سعيكم لشتى) مطلق أيضاً وكذلك (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى) أطلق العطاء والاتقاء والحسنى.
أما في سورة الشمس (والشمس وضحاها - والقمر إذا تلاها - والنهار إذا جلاها - والليل إذا يغشاها - والسماء وما بناها - والأرض وما طحاها - ونفس وما سواها - فألهمها فجورها وتقواها - قد افلح من زكاها - وقد خاب من دساها - كذبت ثمود بطغواها -..) في هذه الآيات تحديد واضح فقد قال تعالى يغشاها وجلاها وكذلك حدد في (ونفس وما سواها) خصص بنفوس المكلفين من بني البشر وكذلك في (كذبت ثمود بطغواها) محددة ومخصصة لقوم ثمود.
فكأنما سورة الليل مبنية كلها على العموم والإطلاق في كل آياتها. وقد أقسم الله تعالى بثلاثة أشياء (الليل والنهار وخلق الذكر والأنثى) وذكر ثلاث صفات في المعطي (أما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى) وثلاث صفات فيمن بخل (وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى)
في الآية (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى) لم يذكر المفعولين المعطى والعطية والمراد بهذا إطلاق العطاء فلم يذكر المعطى أو العطية لأنه أراد المعطي والمقصود إطلاق العطاء سواء يعطي العطاء من ماله أو نفسه فقد يعطي الطاعة والمال ونفسه كما نقول يعطي ويمنع لا نخصصه بنوع من العطاء ولا بصنف من العطاء. وقد يرد في القرآن الكريم مواضع فيها ذكر مفعول واحد المراد تحديده وحذف مفعول يراد إطلاقه كقوله تعالى (ولسوف يعطيك ربك فترضى) و (إنا أعطيناك الكوثر) أما في سورة الليل فحذف المفعولين دليل على العموم والإطلاق.