ثم انظر إلى كل من السورتين كيف تناولت الكلام على الإنسان. فقد بدأت سورة الإنشقاق بذكر كدح الإنسان ومشقته ونصبه (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (٦) الإنشقاق) وتوعّده ربه بركوب الأهوال والشدائد المتتابعة التي يفوق بعضها بعضاً في الشدة فقال (فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (١٧) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (١٩)) .
في حين بدأ في سورة التين بتكريم الإنسان فقال (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) التين) فناسب ذلك تأكيد استمرار أجره وعدم تنغيصه، وذلك بزيادة الفاء في التين دون الإنشقاق.
ثم قال بعدها (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧) التين) والمعنى: أي شيء يجعلك أيها الإنسان مكذّباً بالجزاء بعد هذا الدليل الواضح؟ والمعنى: إن خلق الإنسان من نطفة وتقويمه بشراُ سوياً وتدريجه في مراتب الزيادة إلى أن يكمل ويستوي مع تحويله من حال إلى حال، أوضح دليل على قدرة الخالق على الحشر والنشر (الكشاف ٣/٣٤٩، التفسير الكبير ٣٢/١٢) فإن الذي خلقك أقدر على أن يعيدك بعد موتك ويُنشئك خلقاً جديداً، وأن ذلك لو أعجزه لأعجزه خلقك الأول (التبيان ٦١) .
فانظر جلالة ارتباط هذا الكلام بما قبله.
ثم انظر كيف استدل على الجزاء بالأدلة النقلية والعقلية. فالدليل النقلي هو ما أخبرت به الرسالات السماوية، وقد ذكر من هذه الرسالات كبراها وهي رسالات موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام.
والدليل العقلي هو الإستدلال بخلق الإنسان في أحسن تقويم وتدريجه في مراتب الزيادة والنقص.