للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فأكد الإتيان في سورة النمل لقوة يقينه وثقته بنفسه، والتوكيد يدل على القوة، في حين لم يكرر فعل الإتيان في القصص مناسبة لجو الخوف.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن فعل (الإتيان) تكرر في النمل اثنتي عشرة مرة. (انظر الآيات: ٧ مرتين، ١٨، ٢١، ٢٨، ٣٧، ٣٨، ٣٩، ٤٠، ٥٤، ٥٥، ٨٧)

وتكرر في القصص ست مرات (انظر الآيات ٢٩، ٣٠، ٤٦، ٤٩، ٧١، ٧٢) فناسب تكرار (آتيكم) في النمل من كل وجه.

? وقال في سورة النمل: " أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ" وقال في القصص: " نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ"

فذكر في سورة النمل أنه يأتيهم بشهاب قبس، والشهاب: هو شعلة من النار ساطعة. (انظر لسان العرب (شهب) ١ / ٤٩١، القاموس المحيط (شهب) ١ / ٩١)

ومعنى (القَبَس) شعلة نار تقتبس من معظم النار كالمقباس يقال: قبس يقبس منه نارا، أي: أخذ منه نارا، وقبس العلمَ استفاده (انظر القاموس المحيط (قبس) ٢ / ٢٣٨)

وأما (الجذوة) فهي الجمرة أو القبسة من النار (انظر القاموس المحيط (جذا) ٤ / ٣١١) وقيل: هي ما يبقى من الحطب بعد الالتهاب، وفي معناه ما قيل: هي عود فيه نار بلا لهب. (انظر روح المعاني ٢٠ / ٧٢)

والمجيء بالشهاب أحسن من المجيء بالجمرة، لأن الشهاب يدفئ أكثر من الجمرة لما فيه من اللهب الساطع، كما أنه ينفع في الاستنارة أيضا. فهو أحسن من الجذوة في الاستضاءة والدفء.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ذكر أنه سيأتي بالشهاب مقبوساً من النار، وليس مختَلَسا أو محمولا منها، لأن الشهاب يكون مقبوساً وغير مقبوس (انظر البحر المحيط ٧ / ٥٥) ، وهذا أدل على القوة وثبات الجنان، لأن معناه أنه سيذهب إلى النار، ويقبس منها شعلة نار ساطعة.

أما في القصص فقد ذكر أنه ربما أتى بجمرة من النار، ولم يقل إنه سيقبسها منها.

<<  <   >  >>