للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والجذوة قد تكون قبسا وغير قبس، ولا شك أن الحالة الأولى أكمل وأتم لما فيها من زيادة نفع الشهاب على الجذوة، ولما فيها من الدلالة على الثبات وقوة الجنان.

وقد وضع كل تعبير في موطنه اللائق به، ففي موطن الخوف ذكر الجمرة، وفي غير موطن الخوف ذكر الشهاب والقبس.

? قال في سورة النمل: "فَلَمّا جاءَهَا نُودِيَ" وقال في سورة القصص: "فَلَمّا أَتاها نُودِيَ"

فما الفرق بينهما؟

قال الراغب الأصفهاني مفرقا بين الإتيان والمجيء: الإتيان مجيءٌ بسهولة، ومنه قيل للسيلِ المارّ على وجهه أتي" (المفردات في غريب القرآن ٦) . وقال: "المجيء كالإتيان، لكن المجيء أعم، لأن الإتيان مجيء بسهولة" (المفردات ١٠٢)

ولم يذكر أهل المعجمات ما ذكره الراغب، وإنما هم يفسرون واحدا بالآخر، فيفسرون جاء بأتى، وأتى بجاء، غير أنهم يذكرون في بعض تصريفات (أتى) ما يدل على السهولة، فيقولون مثلا في تفسير الطريق الميتاء من (أتى) "طريق مسلوك يسلكه كل أحد" وذلك لسهولته ويسره. ويقولون: "كل سيل سهلته الماء أتيّ" و "أتّوا جداولها: سهلوا طرق المياه إليها" يقال: (أتّيت الماء) إذا أصلحت مجراه حتى يجري إلى مقارّه.. ويقال: أتّيت للسيل، فأنا أؤتّيه إذا سهلت سبيله من موضع إلى موضع ليخرج إليه.. وأتّيت الماء تأتيةً وتأتياً، أي: سهلت سبيله ليخرج إلى موضع" (لسان العرب (أتى) ١٨ / ١٤)

والذي استبان لي أن القرآن الكريم يستعمل المجيء لما فيه صعوبة ومشقة، أو لما هو أصعب وأشق مما تستعمل له (أتى) فهو يقول مثلا: "فَإذا جَاءَ أَمْرُنا وَفارَ التّنّورُ ٢٧ " المؤمنون، وذلك لأن هذا المجيء فيه مشقة وشدة. وقال: "وجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالحَقّ ١٩" ق. وقال: "لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا إمْرَا ٧١" الكهف. وقال: "لقَدْ جِئْتَ شِيْئا نُكْرا ٧٤" الكهف.

<<  <   >  >>