للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ثم انظر إلى اختيار هذين الاسمين وتناسبهما مع مقام ثقل التكليف، فإن فرعون حاكم متجبر يرتدي رداء العزّة، ألا ترى كيف أقسم السحرة بعزته قائلين: "بِعِزّةِ فِرعَوْنَ إنّا لَنَحْنُ الغَالِبونَ ٤٤" الشعراء. فاختار من بين أسمائه (العزيز) معرفا بالألف واللام للدلالة على أنه هو العزيز ولا عزيز سواه، و (الحكيم) للدلالة على أنه لا حاكم ولا ذا حكمة سواه، فهو المتصف بهذين الوصفين على جهة الكمال حصرا. وفي تعريف هذين الاسمين بالألف واللام من الدلالة على الكمال والحصر ما لا يخفى ما لو قال (عزيز حكيم) فإنه قد يشاركه فيهما آخرون.

ثم انظر من ناحية أخرى كيف أنه لما قال: "أَنا اللهُ العَزيزُ الحَكيمُ" لم يذكر أن موسى سأل ربه أن يعزّزه ويقويه بأخيه، ولما لم يقل ذلك ذكر أنه سأل ربه أن يكون له ردءا، يصدقه ويقويه وهو أخوه هارون.

وقد تقول: ولكنه قال في القصص "إنّي أنا اللهُ ربّ العالمينَ" وفي ذلك من التعظيم ما لا يخفى

ونقول: وقد قال ذلك أيضا في النمل، فقد قال: "وسبحان الله ربّ العالمين" وزاد عليه: "إنّهُ أنا الله العَزيزُ الحَكيمُ" فاتضح الفرق بين المقامين.

وقد تقول: ولم قال في سورة طه: "إنّي أَنا ربّك فاخلعْ نَعلَيْكُ" بذكر ربوبيته له خصوصا، ولم يقل كما قال في سورتي النمل والقصص "ربّ العالمين"؟

والجواب: أنه في سورة طه كان الخطاب والتوجيه لموسى عليه السلام أولا فعلمه وأرشده فقال له: " إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ١٤ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ١٥" طه، فطلب منه العبادة وإقامة الصلاة.

وقال بعد ذلك: "لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنا الكُبْرى ٢٣" طه، ثم ذكر منته عليه مرة أخرى فقال: "وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى٣٧ إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى ٣٨" طه.

<<  <   >  >>