للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الوجه الآخر أن النعمة الواحدة لا تُعدّ. لو جئت أن تعد نعمة الأكل إحصِ من خلق المادة الأولى وكيف كانت مزروعة؟ ومن زرعها ومن حصدها ومن طحنها وكم من الأيادي بعد الخلق الأول عملت بها إلى أن جاءت عندك؟ ثم لما هُيأت لك كيف تأكلها؟ بالأسنان والمعدة والعصارات الهاضمة، هذه نعم لا تحصى. الإحصاء هو العدّ. مفردات النعمة الواحدة لا تُعدّ ومن الصعب أن تعدها. نعمة البصر أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم لما بكى الرجل العابد فقال تعالى أدخلوه الجنة برحمتي قال بل بعملي قال تعالى برحمتي قال بل بعملي فقال تعالى زنوا له نعمة البصر فوضعوها في كفة وسائر أعمال الرجل في كفة فرجحت كفة نعمة البصر فقال الرجل لا بل برحمتك. كم في نعمة البصر من تهيئة النور واستقبالها والأعصاب وغيرها! إذن لا تحصى مفردات النعمة الواحدة فكيف بالنِعَم؟ (وإن تعدوا نعمة الله) تعدوا أي أن تحاولوا إحصاءها. موجودة في القرآن نعمة ونعِم وأنعم. أنعم جمع قلة من أفضل (من ٣ إلى ١٠) في اللغة فإذا صارت عشرة تدخل في الكثرة. قال تعالى (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ (٣٦) التوبة) الشهور إثنا عشر وأربعة أشهر. لما تصير ١١ تدخل في الكثرة. في القرآن الكريم وردت نِعَم ونعمة وأنعم، نعمة وردت في الإفراد وقد يكون هذا الجنس والله أعلم إبراهيم عليه السلام قال (شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (١٢١) النحل) لأنه لا يمكن أن يشكر الإنسان نعم الله تعالى فأتى بجمع القلة. وقال تعالى (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً (٢٠) لقمان) بالكثرة لأن النعم كثيرة الظاهرة والباطنة لكن لا يمكن أن نقول (شاكراً لنعمه) ، نحن نشكر الله تعالى ونحمد الله بما نستطيع كما ينبغي لجلال وجهه والله تعالى أثنى على إبراهيم (شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (١٢١) النحل) .

<<  <   >  >>