للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما ما ذهب إليه الشافعية فإنه ينبغي أن يستثنى منه: ما لو بقي به رمق وهو في أثناء المعركة ثم حدث له الموت وقد علم انتصار هؤلاء على هؤلاء فقد انقضت المعركة، لكن بقي به من رمق ثم كان موته، فإن مثل هذا ينبغي أن يكون له الحكم من ترك التغسيل والصلاة عليه.

وقد روى مالك في موطئه بإسناد منقطع: أن سعد بن الربيع وكان من شهداء أحد كان هكذا (١) ، فإنه قد بقي به رمق بعد انتهاء المعركة ثم مات وكان من شهداء أحد، والسند وإن كان منقطعاً لكن هذه القصة مشهورة في كتب السير.

ثم إنه ليس هناك فارق مؤثر بين أن يموت في أثناء المعركة وأن يبقى به رمق وهو في موضعه ثم يموت بعد انتهائها، في الحقيقة لا فرق بين هاتين الصورتين.

والقول بما ذهب إليه الحنابلة قول فيه قوة - وليس المقصود على إطلاقه بل على إخراج ما ذكروه من الشرب والكلام.

فإن مثل هذه غير مؤثرة في الحقيقة، فإن مثل هذه الأمور تقع ممن يحتضر، فيقع منه الشرب والكلام والتوصية ونحو ذلك، فمثل هذه الأمور ليست بمؤثرة بخلاف الأكل فإنه لا يقع إلا من الأحياء.

فالقول: بأنه متى طال الزمن عرفاً خرج من حكم الشهداء هذا قول قوي؛ لأن الأصل هو بقاء الحكم لما كان أثراً منه، والأثر في موته إنما هو هذه المعركة، وقد بقي زمناً يسيراً في العرف فلم يطل ذلك عرفاً، فكان باقياً في حكم ذلك الأثر الذي أثر به.

أما إذا طال الزمن عرفاً فإنه يخرج من هذا الحكم، فإن سعد بن معاذ قد أصيب بسهم في أكحله في غزوة الخندق - كما ثبت في الصحيحين (٢) – ولم يكن له حكم الشهداء بل غسل وصلي عليه.


(١) الموطأ، كتاب الجهاد، باب الترغيب في الجهاد رقم (١٠٠٤) .
(٢) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب (٧٧) الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم (٤٦٣) ، وفي كتاب المغازي، باب (٣٠) مرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحزاب (٤١٢٢) ، ومسلم (١٧٦٩) .