وهذا القول أصح من القول الذي قبله وتبقى الخلاف بينه وبين القول الأول، فيجتب عن حديث:(صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته) فأن المقصود بذلك أهل البلد ومن وافقهم في الرؤية أما إذا كانت المطالع مختلفة والهلال يرى في بلد الليلة ولا يرى في الأخرى إلا والحي - فهذا بذلك، فلا يحكم عليها بحكم واحد.
وأما حديث:(صومكم يوم تصومون) فإنه إنما يراد به أهل البلد الواحد لئلا يختلفوا واختلافهم يؤدي إلى اختلاف قلوبهم فيكون بعضهم صائم وبعضهم مفطر. وهذه المسألة مسألة اجتهاد – فإذا قال الحاكم فيها بأي قول وجب على أهل ذلك البلد أن يعملوا بحكمه.
فإذن الظاهر:أن لكل بلد رؤيتها إلا إذا اتحدت المطالع.
قال:(ويصام برؤية عدل ولو أنثى)
لأنه خبر ديني، والقاعدة في الأخبار الدينية أنها يقبل فيها خبر الواحد كالأحاديث النبوية ولا يشترط أن يكون المخبر ذكراً أو حراً بل لو كان أنثى أو عبد قبل لأنه خبر ديني فإذا أخبر عدل أنه رأى الهلال فإنه يحكم بقوله ويصوم الناس ولو كان المخبر أنثى لأن ذلك خبر ديني بخلاف باب الشهادة فإنها تتعلق بأموال الناس أما الخبر الديني فالتهمة منه بعيدة ومما يدل على ذلك ما روى أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عمر قال:(تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه) وذهب الأحناف والمالكية إلى
أنه لا يقبل إلا برؤية رجلين واستدلوا:بما روى النسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته) إلى أن قال: (فإن شهد شاهدان فصوموا وافطروا)
قالوا:فعلق النبي صلى الله عليه وسلم الفطر والصوم برؤيته من اثنين، فلا يثبت دخول الشهر إلا برؤيتهما.
وهذا القول أضعف من الذي قبله، وذلك لثبوت الحديث المتقدم وهو المنطوق وما في هذا الحديث مفهوم، فإن مفهومه أنه لم يكن شاهدين فلا يثبت، والمنطوق مقدم على المفهوم.