فالمقصود من هذا: أن ما ذكروه لا يصح دليلاً في هذه المسألة.
وأما الآثار التي ذكرها الإمام أحمد فإنها معارضة بأثر علي المروي عنه، وبأثر جبير بن مطعم.
وبالحديث أيضاً فإن الحديث تقدم تصحيحه وهو حديث:(كل أيام التشريق ذبح)(١) فعلى ذلك: الراجح أن أيام التشريق كلها أيام هدي وأيام أضحية.
قال:(ويكره في ليلتهما)
أي في ليلة اليوم الأول من أيام التشريق وفي ليلة اليوم الثاني من أيام التشريق، وأما ليلة يوم النحر فلا يجزئ فيها الذبح كما تقدم.
وأما ليلة الأول وليلة الثاني من أيام التشريق فيكره فيها الذبح، وإذا قلنا بجواز الذبح في اليوم الثالث من أيام التشريق فكذلك تكره الأضحية أو الهدي في ليلته.
وفي هذه المسألة قولان:
الأول، وهو مذهب الجمهور: أن الذبح بالليل يجزئ. قالوا: ولعدم الدليل المانع من ذلك. وإنما كرهناه خروجاً من الخلاف، ولأنه إن ذبح ليلاً فإن اللحم لا يفرق رطباً وإنما يبقى ساعات طويلة ينتظر فيها دخول النهار ليوزع على المساكين أو يهدى على الجيران ونحوهم فكرهوه لذلك.
الثاني: وهو مذهب المالكية ورواية عن الإمام أحمد: أن الذبح لا يجزئ ليلاً.
قالوا: لأن الله عز وجل قال: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} فجعل وقت الذبح الأيام، والأيام جمع يوم، واليوم هو النهار، فجعل الله الوقت للذبح هو النهار وأما الليل فليس وقتاً – حينئذٍ – للذبح.
وروى الطبراني: أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى أن يضحي ليلاً)
أجاب أهل القول الأول عن أدلة المالكية:
قالوا: أما الآية: فإنها في مثل هذا يدخل في اليوم: الليل والنهار، كقوله تعالى:{فتربصوا في داركم ثلاثة أيام} أي بلياليهن وهنا كذلك. فإذا ذكرت الأيام مجموعة دخل ليلها فيها إلا أن يدل دليل على خروج ذلك.