قالوا: لقوله تعالى: [حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون] أي أذلاء فلا بد وأن يدفعوها على هيئة يكونون فيها أذلاء. هذا هو المشهور في مذهب الحنابلة.
والراجح: خلاف ذلك وأن هذا لا أصل له في كتاب الله ولاسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في عمل الصحابة فإن هذا لم ينقل عنهم.
وإنما الصغار المذكور في الآية هو مجرد إذلالهم بإعطائهم الجزية. وقبولهم التزام الشريعة الإسلامية في الجملة فهذا إذلال ظاهر لهم.
ولذا فإن بني تغلب وكانوا من العرب أبوا أن يعطوا الجزية وقالوا: بل ندفعها صدقة ونقول: هي صدقة. فقبل ذلك منهم عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ بشرط أن تكون ضعف صدقة المسلمين (١) .كما ثبت هذا في مصنف بن أبي شيبة وغيره.فاستنكف هؤلاء عن دفع الجزية لأن مجرد دفعها صغار وذلة والتزامهم أيضا بشريعة أخرى لا يدينون بها صغار وذلة
وهذا هو الأصح في مذهب الشافعية وقد أنكر هذا القول النووي في روضة الطالبين وبيّن أنه لا أصل له في سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا في عمل خلفائه الراشدين ـ رضي الله عنهم ـ. وهو كما قال.
الترجيح:
فالراجح هو خلاف هذا، وأن الجزية تؤخذ منهم برفق وإحسان والشريعة تأمر بالإحسان وفي ذلك دعوة لهم إلى الإسلام.
مبحث: في مقدار الجزية:
وفيه أقوال:
القول الأول:
وهو المشهور عند الشافعية أن الجزية دينار.
(١) ـ (خلاصة البدر المنير لابن الملقن: ٢/ ٣٥٦) [٢٦١٨] أن عمر ـ رضي الله عنه ـ طلب الجزية من نصارى العرب وهم تنوخ وبهرا وبنو تغلب فقالوا نحن عرب لا نؤدي ما يؤدي العجم فخذ منا ما يأخذ بعضكم من بعض يعنون الزكاة فقال عمر هذا فرض الله على المسلمين فقالوا زد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية فراضاهم على أن يضعف عليهم الصدقة ذكره الشافعي وقال قد حفظه أهل المغازي وساقوه أحسن سياق. وانظر (نصب الراية: ٢ / ٣٦٢) .