وذهب الشافعية إلى التفصيل في هذا وأنه إن أبى أن يلتزم بالجزية أو أبى أن يلتزم بحكم الإسلام أو فعل ما يناقض عهد الذمة كالقتل فإن عهده يُنقض وما سوى ذلك فإن حكم الإسلام يُقام عليه إن كان حدا أو قصاصا أو تعزيرا. إلا أن يكون قد اشترط فإن هذا الشرط يعمل به بمعنى: إن قيل للذميين أثناء العقد متى ما فعلتم القتل أو الزنا أو آويتم جاسوسا أو نحو ذلك فإن العهد ينتقض ولاذمة لكم فإن الناس على شروطهم.
فمذهب الشافعية هو التفصيل فإن أبى بذل الجزية أو التزام الشريعة فإن عهده ينتقض وذلك لأنه لا قوام لعهد الذمة إلا بهما. فإن عقد الذمة لايصلح إلا بهما.
قالوا: وكذلك إذا كان ما فعله يخالف وينافي مقتضى العقد ـ وهو فيما إذا قاتلنا ـ فإذا قاتل الذمي المسلمين أو سعى في قتالهم فإن عهده ينتقض وذلك لأن مقتضى عقد الذمة الأمان من الجانبين وحيث وقع من الذميين قتال فإن هذا ينافي ويخالف العقد الذي بيننا وبينهم وهو عقد الذمة الذي مقتضاه الأمان من الجانبين أما ماسوى ذلك فيحكمون بما أنزل الله وهذا هو الراجح إذ لادليل على انتقاض العقد بماذكروه مع إبرامه وثبوته.
وما ذكروه فإن مثله في الغالب يقع من اعتداء على الأعراض أو على النفوس في المجتمعات الكبيرة.
وإذا سب الذمي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مثلا فإنه يقتل من غير استتابة كما قرر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه الصارم المسلول وهكذا إن قتل نفسا أو زنا فإنه يقام عليه الحدّ فالأصل هو بقاء عقد الذمة فلا ينتقض إلا بدليل.
* قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى:[انتقض عهده دون نسائه وأولاده] .
أي عهده هو دون نسائه وأولاده وذلك لأنه لم يحصل منهم ما يوجب النقض وحصوله من عائلهم لا يوجب النقض منهم [لا تزر وازرة وزر أخرى] فلا يكونون حربيين لكون من يقوم بشأنهم قد ينقض العهد الذي بينهم وبين المسلمين بل يعطي لهم ذمة الله ورسوله.