للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا هو المشهور في المذهب أنه لا يجوز بيع المصحف، وهو أحد الروايات الثلاث عن الإمام أحمد، فعن الإمام أحمد ثلاث روايات:

الأولى: وهي موافقة للمشهور من المذهب، وأنه لا يجوز بيع المصحف.

الثانية: أن ذلك جائز مع الكراهة، وهو المشهور في مذهب مالك والشافعي.

الثالثة: أن ذلك جائز بلا كراهة، وهو المشهور عند الأحناف.

واستدل القائلون بالنهي عن ذلك بما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن عمر أنه قال:" وددت أن الأيدي تقطع في بيع المصاحف " [المصنف ٨ / ١١٢، برقم ١٤٥٢٥، وسنن البيهقي ٦ / ١٦] وقال ابن عباس كما في مصنف عبد الرزاق:" اشترها ولا تبعها " [المصنف ٨ / ١١٢، برقم ١٤٥٢١] ، قالوا: ولما في بيعها من ابتذالها، ولا يجوز ابتذال المصحف.

وأما القائلون بالجواز فقالوا: قد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) [خ ٥٧٣٧] ، قالوا: فيدخل في عموم ذلك بيع المصحف، فإنه يأخذ أجرا على كتابته، فقد كتب المصحف وجلده، واشتغل بإصلاحه، قالوا: ولا ابتذال في بيعه، فإن بيعه لا يعني ابتذاله، نعم إن كان على الصور المبتذلة فلا يجوز ذلك، وأما مطلق البيع فإنه ليس فيه ابتذال، قالوا: ولعل كراهية الصحابيين - ابن عمر وابن عباس - إنما هو لخشية ابتذالهما، وقال بعض العلماء: لعل هذا النهي منهما لقلة المصاحف وقتئذ، فيكون بيعها بأسعار غالية مرهقة للناس، فأمر بإعطائها من غير بيع لها يرهق الناس، من أجل حصولهم على المصاحف، بخلاف الأزمنة المتأخرة التي كثرت فيها طباعة المصاحف، وأصبحت تباع بأسعار مناسبة، فحينئذ المعنى الذي من أجله كره ابن عمر وابن عباس بيع المصاحف غير موجود، وهذا هو الأصل، فإن الأصل في البيوع الحل، وأرجح الأقوال هو جواز بع المصحف، وهو رواية عن الإمام أحمد كما سبق، وهو مذهب الأحناف، لكن على وجه لا يبتذل.

<<  <  ج: ص:  >  >>