القول الثالث: وهو الوسط، وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم أنه يجوز بيع الرباع ولا تجوز إجارتها، فالبيع جائز لأنها ملك له بدلالة الحديثين الذين استدل بهما الشافعية، وأما الإجارة فمحرمة، قالوا: لما في ذلك من التضييق على الحجاج والزائرين، فمكة دار منسك، والذي يأتيها ممن يحتاج إلى استئجار فيها إنما هو في الغالب الحجاج والزائرين، قالوا: وقد قال عمر - رضي الله عنه - كما صح ذلك عند في مصنف عبد الرزاق وقد ثبت ذلك عنه من غير ما وجه أنه قال:" يا أهل مكة لا تضعوا على بيوتكم أبوابا حتى يدخل البادي "[مصنف عبد الرزاق ٥ / ١٤٧، برقم ٩٢١١] والبادي: هو من أتى من خارج الحرم، وهذا الأثر يدل على أنهم ليس لهم أن يمنعوا البادي من سكنى لا يحتاجون لها، وهذا القول هو الراجح، فلا يحل لأحد أن يؤجر فيها لقول عمر، وقول الصحابي يخصص عموم الأدلة ولما في ذلك - أي في إجازة الإجارة - من التضييق على الحجاج والزائرين، وأما البيع فجائز لأنها ملك لأصحابها، والأصل في البيوع الجواز، ولما استدل به الشافعية من الأحاديث وقد تقدمت، لكن إن رأى الإمام أن المصلحة تقتضي الإذن بالإجارة فلا بأس، كأن يرى أن أهل مكة لا يصلحونها للسكنى إلا بالإجارة فلا بأس أن يأذن لهم فيها.
قوله [ولا يصح بيع نقع البئر]
إذا حفر رجل بئرا، فسقى منه بهائمه وزرعه، وفضل من ذلك فضل زائد عن حاجته فليس له أن يبيعه، وبيعه محرم، والمال الذي يكسبه منه محرم، لأن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه، وقد ثبت في المسند أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه) [حم ٢٩٥٦، د ٣٤٨٨، بلفظ:(وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه) ، وفي الصحيحين:(قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها) ]