لكن إن تعذر الاستئذان فله أن يطالبه بحقه لأنه غير قادر على الاستئذان، وحينئذ لا يكون مفرطا، ولو لم يستأذن الحاكم، فليس بشرط أن يستأذن الحاكم في النفقة، وذلك لما يترتب عليه في الغالب من تفويت مصلحة الرهن حتى يأذن الحاكم، ولأنه لا دليل على اشتراط إذنه، وعن الإمام أحمد وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم أنه له الرجوع مطلقا ما لم ينو التبرع، ودليل هذا أنه نائب عن صاحب الحق فكان له أن يطالب كسائر من ينوب عن الغير في أداء الحقوق، فهنا ناب عن صاحب الحق فيما لا يجب عليه فكان له أن يطالب بالحق، وقد قال الله تعالى {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} وهذا محسن فجزاؤه أن يحسن إليه، وأما أن يمنع من إعطائه حقه فليس هذا من الإحسان، ولأن الله تعالى قال {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} وقال {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} ولم يقيد الله سبحانه هذا بالاستئذان، فأوجب الله على الوارث أن يعطي المرضعة أجرتها ولم يقيد ذلك بإذنه له بالرضاع، بل أوجبه بمجرد الرضاع، وهذا القول هو الراجح.
قوله [وكذا وديعة ودواب مستأجرة هرب ربها]
فالوديعة كذلك كالرهن، فإذا كان عند رجل وديعة، وكانت هذه الوديعة تحتاج إلى نفقة واجبة، كأن يضع عنده رقيقا أو حيوانا وديعة أو نحو ذلك فإذا أنفق عليه بغير نية التبرع ففيه الخلاف المتقدم، فليس له الرجوع إن لم يستأذنه مع إمكان الاستئذان، وإذا استأذنه وأذن له فيجب عليه أن يعطيه حقه، فالوديعة لها حكم الرهن على التفصيل المتقدم، وكذلك إذا استأجر دوابا فهرب ربها وتركها فهي في حكم الوديعة لأنها أصبحت أمانة في يده، فإذا أنفق عليها فعلى التفصيل المتقدم.