إن قيل هل يشترط استقرار الدين المحال به أم لا؟ الجواب: لا يعتبر، وبيان هذا: إذا كان المكاتب الذي عليه لسيده دين في ذمته مقابل الكتابة، فهود دين غير مستقر، فللمكاتب أن يحيل سيده إلى أحد لهذا المكاتب عليه دين مستقر، فإن لا يعتبر أن يكون الدين المحال به مستقرا، وذلك لأن تسليم الدين جائز، وللمحيل أن يسلمه أو يسقطه، فإذا كان التسليم جائزا كانت الحوالة جائزة.
هذا هو الشرط الثاني من شروط الحوالة، وهو أنه يشترط اتفاق الدينين، الدين الأول هو الذي في ذمة المحيل، والثاني هو الذي في ذمة المحال عليه، فيشترط أن يتفقا جنسا، فهذا ذهب وهذا ذهب، فإن كان أحدهما ذهبا والثاني فضة فلا يجوز، وكذلك أن يتفقا وصفا، فهذا رديء وهذا رديء، وهذا جيد وهذا جيد، وهذا صحيح وهذا صحيح، وهذه مكسرة وهذه مكسرة، ويشترط أن يتفقا وقتا، فهذا حال وهذا حال، وهذا مؤجل إلى شهر وهذا مؤجل إلى شهر، ويشترط أيضا أن يتفقا قدرا، فيحيل بخمسة على خمسة، أو بعشرة على عشرة، أما لو أحال بخمسة على ستة فلا يجوز، قالوا: لأن الحوالة عقد إرفاق فإن كان فيها فضل فقد خرجت عن موضعها، وقد تقدم قول الجمهور أن بيع الدين بالدين منهي عنه، ولا يتبين المنع من هذا، فهذا وإن خرج عن كونه حوالة فلا يخرج عن كونه بيعا، فيشترط فيه ما يشترط فيه البيوع، فإذا جرى على قواعد البيوع فلا يتبين أنه فيه منعا، وكونه بيع دين بدين فقد تقدم أنه ليس كل صور بيع الدين بالدين محرمة، وإنما حرم الشارع منها ما كان فيه الربا الذي كان عليه أهل الجاهلية، وأيضا فإن بيع الدين بالدين فيه إشغال للذمم وهنا في مسألتنا فيها إبراء للذمم.