للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السبق جعالة في المشهور من المذهب، ويأتي الكلام على الجعالة، وبين ابن القيم في كتابه الفروسية الفارق بين الجعالة والسبق بما يدل على بطلان كون السبق جعالة، فإن بينهما فروقا منها: أن الجاعل للجعل إنما يجعله لنفع نفسه، فإذا ضاع له مال يقول: من يحصل لي هذا المال أعطيه كذا وكذا، فهو يقصد بدفع هذا الجعل نفع نفسه، وأما في السبق فهو يوفيه لمن يعجزه ويقهره ويغلبه، ومنها: أن الجعالة يجوز أن يكون العوض والمعوض مجهولين، فيجوز أن يقول: من أتى بعبدي الآبق وهو مجهول فله كذا وكذا، فالمعوض وهو العبد الآبق مجهول، ويجوز أن يقول القائد في الحرب: من دلني على حصن فله ثلث ما فيه من الغنيمة، والغنيمة التي فيه مجهولة، وهذا كله لا يجوز في باب السبق، بل يشترط أن يكون السبق معلوما وأن تكون المسافة والمركوب والرماة معلومين، فدل على أن السبق ليس بجعالة، كما أنه ليس بإجارة، وليس بشركة، وليس بنذر، كما بين ابن القيم أنه نوع مستقل له حكمه الخاص، فلا يؤخذ أحكامه من أحكام غيره، وهنا الحنابلة قالوا: هو جعالة، وعليه فلكل واحد منهما الفسخ، فمثلا: اتفق زيد وعمرو على المسابقة، وأن يكون بينهما سبقا قدره كذا وكذا، سواء دفع واحد منهما كما هو مذهب الجمهور، أو دفعا كلاهما، فلما شرعا في السباق ولما يتبين الفضل لواحد منهما فيجوز لكل واحد منهما الفسخ، فيجوز قبل الشروع، وبعد الشروع ما لم يتبين أن لأحدهما فضلا، أما إذا تبين أن لأحدهما فضلا فله الفسخ، وأما الآخر فليس له الفسخ، لأنه قد ظهر ما يكون مرجحا لجانب الآخر، فحينئذ إذا جاز له الفسخ ففيه إسقاط لحق الآخر، وهذا هو المشهور من المذهب وهو مذهب أبي حنيفة وهو أحد قولي الشافعي أن عقد السبق عقد جائز، والقول الثاني للشافعية وهو وجه في المذهب أن هذا العقد عقد لازم، فإذا شرعا فيه فليس لأحدهما أن يفسخ، قالوا: قياسا على عقد الإجارة،

<<  <  ج: ص:  >  >>