فلا يحنث في هذه المسائل كلها وذلك لأن فعل البعض ليس كفعل الكل، والحلف إنما هو عن الامتناع عن فعل الكل وليس فعل البعض كفعل الكل، ولذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج رأسه وهو معتكف لعائشة فترجله ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج من معتكفه وليس هذا في حكم الخروج من المعتكف، لكن لو قال:" أنت طالق إن شربت ماء هذا النهر " فقطعاً لا يريد كله ولا يمكن أن تصرف اليمين إلى ذلك، فإذا شرب بعضه فإنه يحنث لأنه يمتنع إرادة الكل فتصرف يمينه على إرادة البعض، ومبنى الأيمان على نية الحالف، فلو أنه قال:" أنت طالق إن شربت ماء هذا الإناء " وهو ينوي بعضه، فشرب البعض فإنه يحنث فإن الأيمان مبناها على النية، فالأحكام المتقدمة إنما ينظر فيها باعتبار الألفاظ أما لو نوى خلاف ظاهر لفظه فإن الأيمان مبناها على النية.
قوله:[وإن فعل المحلوف عليه ناسياً أو جاهلاً حِنث في طلاق وعتاقٍ فقط]
إذا قال:" إن فعلتُ كذا فامرأتي طالق " أو قال: " إن فعلتِ كذا فأنت طالق " ففعل هو أو فعلت هي نسياناً، أو كان ذلك عن جهل كأن تكون هي لم تعلم باليمين ففعلت ما فعلت، وإذا قال لامرأته:" إن خرجت من الدار فأنت طالق " فنسيت فخرجت، أو قال لأحدٍ من الناس:" إن خرجت امرأتي من الدار فهي طالق " فخرجت من غير أن تعلم بيمينه.
قال الحنابلة: يثبت الحنث وذلك لأن يمين الطلاق ويمين العتاق فيها حق آدمي ولا فرق فيها بين تعمد ولا خطأ ولا نسيان، ويعذر عندهم المكره والنائم والمغمى عليه.