لو كان الجرح دون الجائفة، والجائفة فيها ثلث الدية، فلما قوّمناه عبدا بجناية، وعبدا بلا جناية، ونظرنا إلى النسبة، وجدنا أن الفارق أكثر من ثلث الدية، فهل نوجب أكثر من ثلث الدية، مع أن الجائفة التي دونه فيها ثلث دية؟ الجواب: لا. إذاً لا نبلغ الحد المقدر، لأن الجرح دونه. وهذا يدل على ما في هذا القول من ضعف، ولذا تقدم أن الراجح أننا ننظر إلى النسبة، فإن كان الموضع فيه حد مقدر، فإنا ننظر نسبة هذا الجرح إلى الحد المقدّر.
إذاً قال الحنابلة رحمهم الله: إذا كان هناك حدّ مقدّر، فوجدنا أن النسبة تزيد على هذه الحد المقدر، فإنا لا نوجب هذه النسبة؛ لئلا نتجاوز هذا الحد المقدّر، فالجرح أقل من هذا الجرح، وفيه تقدير شرعي، فلا نوجب أكثر من هذا الذي حدده الشارع.
باب العاقلة وما تحمل
قوله [عاقلة الإنسان عصبته كلهم من النسب]
فالعاقلة إذاً العصبة، وهي مشتقة من العقل، والعقْل – كما تقدم -: الدية، وسمي عقلا؛ لأن الإبل التي نؤديها إلى صاحبها تُعقل.
قوله:[والولاء قريبهم وبعيدهم، حاضرهم وغائبهم، حتى عمودي نسبه]
هؤلاء هم العصبة، فالعصبة: هم من لهم به صلة من جهة النسب أو من جهة الولاء. وأما ذوو الأرحام، كالخال، فإنهم ليسوا من العصبة؛ لأنهم لا يرثون، كما تقدم في الفرائض.
واختار شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: أن ذوي الأرحام يدخلون في العاقلة، يعني يعقلون، إن عدم أقرباؤه، فإن لم يكن له أقرباء ذوو نسب، فإن الدية تجب على ذوي أرحامه، كالإرث وكالنفقة، وتقدم أن النفقة على الراجح واجبة على ذوي الأرحام المحتاجين. وعلى ذلك فالراجح ما اختاره شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله، فنقول: إن عدمت عاقلته – يعني عصبته من النسب -، فإنا حينئذ نوجب الدية على ذوي رحمه، كما نوجب عليه أن ينفق عليهم بشرطه، كما تقدم في باب النفقات.