إذن: هنا إذا جنوا بما يوجب قوداً فإنه يتحتم استيفاؤه فليس مرجع ذلك إلى المجني عليه فيقال له: إن شئت أن يقطع طرفه وإن شئت أن تأخذ الدية، بل يتحتم استيفاؤه هذا هو أحد القولين في المسألة وهو ما ذكره المؤلف قياس على القتل.
والقول الثاني: وهو المذهب، " فالمذهب على خلاف ما ذكره المؤلف هنا" أنه لا يتحتم استيفاؤه.
وذلك لأن الله إنما ذكر القتل وهو حيث قتلوا، وقطع الطرف ليس بمنصوص عليه وكذلك الجرح، فالله إنما نص على النفس وأما ما دون النفس من الجراح والأطراف فإن الله لم ينص عليها فكانت كسائر الجنايات والأظهر القول الأول وهو ما ذكره المؤلف، قياساً على القتل، فكما أنه يتحتم قتل النفس فأولى من ذلك أن يتحتم قطع الطرف وأن يتحتم الاستيفاء في الجرح وكونه لم ينص عليه لا يمنع القياس فإنه في معنى المنصوص عليه.
قال:[وإن أخذ كل واحدٍ من المال قدر ما يقطع بأخذه السارق ولم يقتلوا قطع من كل واحدٍ يده اليمنى ورجله اليسرى في مقام واحد وحسمتا ثم خلى] .
فإذا أكل واحد منهم من المال قدر ما يقطع بأخذه السارق، وهو ربع دينار فصاعداً ولم يقتلوا قطع من كل واحد يده اليمنى ورجله اليسرى.
وعليه فلو أخذوا من المال أقل من ربع دينار فلا يقام عليهم هذا الحد.
قالوا: قياساً على السرقة.
وقال المالكية: بل لو أخذ أقل من النصاب فإنه يحد وهذا هو القول الراجح للإطلاق في الآية وفي الأُمر المتقدم وما قياس الحنابلة ففيه نظر، وذلك لأنه قياس مع الفارق والفارق بين حد السرقة وحد الحرابة، أن حد الحرابة أعظم فإن فيه قطعاً لليد اليمنى والرجل اليسرى، وأما حد السرقة فهو أخف، فكان قياساً مع الفارق فلا يصح أن يقاس الأعظم بالأخف.
وتقطع يد كل واحد اليمنى ورجله اليسرى في مقام واحد لظاهر الآية، فظاهرها أن ذلك يكون في مقام واحد ولأن في عدم جعلهما في مقام واحد، بأن تقطع يده اليمنى اليوم ورجله اليسرى غداً في ذلك تعذيباً له.