وهل يكون من ذلك ما ورد في الحديث، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله إذا هو مات فحرقوه ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فو الله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، فلما مات فعلوا ما أمرهم به، فأمر الله عز وجل البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه ثم قال له: لم قلت ما قلت؟ فقال: من خشيتك وأنت أعلم فغفر له) والكفر الذي وقع فيه الشك في عموم قدرة الله عز وجل وظاهر الحديث أن الذي حمله على ذلك شدة الخوف.
لكن شيخ الإسلام وكثيراً من أهل العلم يحملون هذا على أنه لم تبلغه الدعوة، فأنكر صفة من الصفات ولم تبلغه الدعوة.
ويكون هذا دليلاً على المسألة المتقدمة.
ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين أن عائشة قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: " مهما يكتم الناس يعلمه الله؟ فقال: نعم) فهذا شك في عموم علمه سبحانه ولم تكفر بذلك لأن هذه من المسائل التي قد تخفى فلا يكفر إلا من قامت عليه حجة الله عز وجل وفهمها.
ولذا فإن شيخ الإسلام يقول وغيره من أهل العلم: " من أخطأ في مسألة سواء كانت في المسائل النظرية أو المسائل العملية، (لا نفرق بين الأصول والفروع فالتفريق بينهما قول محدث يقوله المعتزلة) فإنه يعذر بالجهل، لأنه قد لا يبلغه الحق الذي يحبى القول به، أو يبلغه لكنه لا يثبت عنده أو تقوم عنده بعض الشبهات، وهذا فيمن آمن بالله ورسوله، فمن آمن بالله ورسوله ثم أخطأ في مسألة من المسائل ولو كانت في باب الصفات أو غير ذلك فهذا هو حكمه.
ويدل عليه أن الله عز وجل قد رحم هذه الأمة بالعذر بالجهل فقال سبحانه:((ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)) والخطأ هو الجهل، وفي مسلم قال الله تعالى:((قد فعلتُ)) وكما تقدم من الأدلة السابقة.
قال أي شيخ الإسلام وعليه صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجماهير علماء الأمة.